إن الظالم مطارد بمظالمه، ملاحق بجرائمه، مأخوذ بذنبه، يسوقه مصيره إلى من هو أظلم وأطغى ليقتص منه قصاصا شافيا، يقول تعالى : " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا "[الأنعام: 129] أى: يسلط الله بعضهم على بعض. يقول مالك بن دينار: قرأت في الزبور: إن الله ينتقم من المنافقين بالمنافقين.
كسرى الفرس مزق صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم كبرا وغرورا ، فسلط الله عليه ولده شيرويه فقتله ومزق الله ملكه!
ونقفور ملك الأرمن يقول ابن كثير في ترجمته: إنه قتل وظلم وفعل بالمسلمين ما فعل، وصنع في خلافة سيف الدولة ما صنع ، فسلط الله عليه زوجته فقتلته وسط قصره!
وابن أبيه قتل الحسين عدوانا وظلما، فسلط الله عليه من يقتص منه، وانطلقت متوالية الظلم والقصاص، يقول عبدالملك بن عمير: رأيت رأس الحسين بن علي -رضي الله عنهما- بين يدي ابن زياد في قصره في الكوفة، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك فقيل له : كم كان بين الرؤوس من الزمن؟ فقال: اثنا عشر عاما!
والحاكم بأمر الله العبيدى ادعى الألوهية وأشاع الفساد، فسلط الله عليه أخته فاستأجرت من قتله!
وبنو إسرائيل قتلوا الأنبياء وسفكوا الدماء ، فسلط الله عليهم نبوخذ نصر ، فقتلهم وشردهم وسباهم السبي الأول ، ثم تزوجت امرأة منهم ملكا من الملوك وطلبت منه أن يعيد قومها إلى بيت المقدس ففعل فلما تمكنوا مرة أخرى قتلوا زكريا ويحيى، وهموا بقتل عيسى -عليهم السلام- فسلط الله عليهم ملك الروم فشردهم وقتلهم وسباهم السبي الثاني ... أبوا أن يعيشوا فى كنف اﻷنبياء، فسلط الله عليهم الطغاة اﻷشقياء!
هى سنة الله الماضية فى الظالمين أن عملهم فى ضلال، وأنهم يتخبطون فى تيه الظلم والضياع ، حتى تحين ساعة القصاص وعندها يقال : لات حين مناص.
وفى آيات الله هداية وكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ ﴿ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ ﴿ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ ﴿ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً ﴾ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا﴾ ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ﴾ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) ..
د. حاتم عبد العظيم