بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة التابوت بدقة متناهية
ما ذكر هنا في هذه القصة عن العلماء من السير والاخبار أن الله تعالى انزل على آدم عليه السلام تابوتا فيه
صورة الانبياء عليهم السلام وكان التابوت من خشب الشمشاد طوله ثلاثة أذرع في عرض ذراعين فكان عند
آدم ثم صار الى شيث ثم توارثه أولاد آدم الى أن بلغ ابراهيم عليه السلام ثم كان عند اسمعيل لانه كان أكبر أولاده
ثم صار الى يعقوب ثم كان في بنى اسرائيل الى ان وصل الى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة
ومتاعا من متاعه ثم كان عنده الى أن مات (أي قتل في التيه) ثم تداوله أنبياء بنى اسرائيل الى وقت اشمويل
وكان في التابوت ماذكر الله تعالى وهو قوله (( فيه سكينة من ربكم )) أختلفوا في تلك السكينة ماهي فقال علي
ون أبى طالب هيريح خجوج هفافة لها رأسان ووجه كوجه الانسان وقال مجاهد هي شئ يشبه الهرة له رأس كرأس
الخرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان وقيل له عينان لهم شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد وكانوا اذا سمعوا صوته
تيقنوا النصر فكانوا اذا خرجوا وضعوا التابوت قدامهم فاذا سار ساروا واذا وقف وقفوا وقال ابن عباس رضى الله
عنهما هي طشت من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء وقال وهب روح من الله تعالى تتكلم اذا اختلفوا
في شئ فتخبرهم ببيان ما يريدون وقال عطاء بن أبى رباح هي ما يعرفون من اللآيات التي يسكنون اليها وقال
قتادة والكلبي هي فعيلة من السكون أي طمأنينة من ربهم ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا وسكنوا اليه وهذا
القول أولى بالصحة فعلى هذا كل شئ كانوا يسكنون اليه فهو سكينة فجعل على جميع ما قيل فيه لان كل شئ يسكن
اليه القلب فهو سكينة ولم يرد فيه نص صريح فلا يجوز تصويب قول وتضعيف آخر () قوله عزوجل (( وبقية مماترك
آل موسى وآل هارون )) يعنى موسى وهارون أنفسهما بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لابى موسى الاشعري رضى
الله عنه لقد أتيت مزمارا من مزامير آل داود فالمراد به داود نفسه واختلفوا في تلك البقية التي ترك آل موسى
وآل هارون فقيل رضاض من الالواح وعصى موسى قاله ابن عباس وقيل عصا موسى وعصا هارون وشئ من ألواح
التوراة وقيل كانت العلم والتوراة وقيل كان فيه عصا موسى ونعلاه وعصا هارون وعمامته وقفيز من المن الذي
كان ينزل على بنى اسرائيل فكان التابوت عند بنى اسرائيل بتوارثونه قرنا بعد قرن وكانوا اذا اختلفوا في شئ تحاكموا
اليه فيتكلم ويحكم بينهم وكانوا اذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم فينتصرون فلما عصوا
وأفسدوا سلط الله عزوجل عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وأخذوه منهم وكان السبب في ذلك انه كان لعيلى
وهو الشيخ الذي ربى اشمويل ابنان شابان وكان عيلى حبر بني اسرائيل وصاحب قربانهم في زمنه فاحدث ابناه
في القربان شيأ لم يكن فيه وذلك انه كان منوط القربان الذي ينوطونه به كلا بين فلما أخرجا كانا للكاهن الذي
كان ينوطه فجعل ابناه كلاليب وكان النساء يصلين في بيت المقدس فيتشبثان بهن فأوحى الى اشمويل ان انطلق
الى عيلى وقيل له منعك حب الولد من ان تزجر ابنيك عن ان يحدثا في قربانى وقدسى شيأ وان يعصيانى فلأنزعن
الكهانة منك ومن ولدك ولاهلكنك وأياهما فاخبره اشمويل بذلك ففزع وساراليهم عدوهم من حولهم فامر عيلى
ابنيه ان يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو فخرجا وأخرجا معهما التابوت فلما تهيؤا للقتال جعل عيلى يتوقع الخبر
فجاء رجل فاخبره ان الناس قد انهزموا وقد قتل ابناه قال فما فعل في التابوت قال أخذه العدو وكان عيلى قاعدا
على كرسيه فشهق ووقع على قفاه فمات فخرج أمر بنى اسرائيل وتفرقوا الى أن بعث الله طالوت ملكا فسألوا
اشمويل البينة على صحة ملك طالوت فقال لهم نبيهم يعني اشمويل ان آية ملكه يعني علامة ملكه التي تدل على
صحته ان يأتيكم التابوت وكانت قصة رجوع التاوت على ماذكر ان الذين أخذوا التابوت من بنى اسرائيل أتوابه
قرية من قرى فلسطين يقال لها ازدود فجعلوه في بيت أصنام لهم ووضعوه تحت الصنم الاعظم فاصبحوا من
الغد والصنم تحته فاخذوه ووضعوه فوقه وسمروا قدمى الصنم على التابوت فاصبحوا وقد قطعت يد الصنم
ورجلاه وأصبح الصنم ملقى تحت التابوت وأصبحت أصنامهم منكسة فاخرجوا التابوت من بيت الاصنام ووضعوه
في ناحية من مدينتهم فاخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم فقال بعضهم لبعض أليس قد
علمتم ان أله بنى اسرائيل لا يقوم له شئ فأخرجوه الى قرية أخرى فبعث الله على أهل تلك الناحية فأرا
مكانت الفأرة تبيت مع الرجل فيصبح ميتا قد أكلت ما في جوفه فأخرجوه الى الصحراء ودفنوه في مخرأه لهم
فكان كل من تبرز هناك أخذه الباسور والقولنج فتحيروا فيه فقالت لهم امرأة من بنى اسرائيل كانت عندهم
وهي من بنات الانبياء لاتزالون ترون ماتكرهون مادام هذا التابوت فيكم فأخرجوه عنكم فأتوا بعجلة
باشارة تلك المرأة وحملوا عليها التابوت ثم علقوها في ثورين وضربوا جنوبهما فأقبل الثوران يسيران
ووكل الله بالثورين أربعة أملاك (ملائكة) يسوقونهما فاقبلا حتى وقفا على أرض بنى اسرائيل فكسرا
نيريهما وقطعا حبالهما ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد لبنى اسرائيل ورجعا الى أرضهما فلم يرع
بنى اسرائيل إلا والتابوت عندهم فكبروا وحمدوا الله تعالى (( تحمله الملائكة)) أي تسوقه وقال ابن عباس
رضى الله عنهما جاءت الملائيكة بالتابوت تحمله بين السماء والارض وهم ينظرون اليه حتى وضعته عند
طالوت وقال الحسن كان التابوت مع الملائكة في السماء فلما ولى طالوت الملك حملته الملائكة ووضعته بينهم
وقال قتادة بل التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقى هناك فاقبلت الملائكة تحمله حتى وضعته
في دار طالوت فأصبح في داره فاقروا بملكه (( أن في ذلك لأية لكم)) يعني قال لهم نبيهم اشمويل ان في مجئ
التابوت تحمل الملائكة لأية لكم يعنى علامة ودلالة على صدقى فيما أخبرتكم به ان الله قد بعث لكم طالوت
ملكا (( أن كنتم مؤمنين )) يعنى مصدقين بذلك قال المفسرون فلما جاءهم التابوت وأقروا بالملك لطالوت
تأهب للخروج الى الجهاد فأسرعوا لطاعته وخرجوامعهوذلك قوله عزوجل (( فلما فصل طالوت بالجنود))
أي خرج وأصل الفصل القطع يعني قطع مستقره شاخصا الى غيره فخرج طالوت من بيت المقدس بالجنود
وهم سبعون ألف مقاتل وقيل ثمانون ألفا وقيل مائة وعشرون ألفا ولم يتخلف عنه إلا كبير لكبره أو مريض
لمرضه أو معذور لعذره وذلك انهم لما رأوا التابوت لم يشكوا في النصر فسارعوا الى الخروج في الجهاد
وكان مسيرهم في حر شديد فشكوا الى طالوت قلة الماء بينهم وبين عدوهم وقالوا ان المياه لا تحملنا
فادع الله أن يجري لنا نهرا ((قال)) طالوت (( أن الله مبتليكم بنهر )) أي مختبركم به لتبين طاعتكم وهو
أعلم بذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما هو نهر فلسطين وقيل بين الاردن وفلسطين
(( فمن شرب منه فليس منى)) أي فليس من أهل ديني وطاعتي (( ومن لم يطعمه )) أي لم يذقه يعني الماء
(( فانه مني )) يعني من أهل طاعتي (( إلا من اغترف غرفة بيده )) قرئ بفتح الغين وضمها لغتان وقيل
الغرفة بالضم التي تحصل في الكف من الماء والغرفة بالفتح الاغتراف فالضم اسم والفتح مصدر
(( فشربوا منه )) يعني من النهر (( إلا قليلا منهم )) قيل هم أربعة ألاف لم يشربوا منه وقيل ثلثمائة
وبضعة عشر رجلا وهو الصحيح ويدل على ذلك ماروى عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال كان
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتحدثون ان عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين
جاوزا معه النهر ولم يجاوز معه الا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة أخرجه البخاري قيل البضع هنا ثلاثة عشر
فلما وصلوا الى النهر ألقى عليهم العطش فشرب منه الكل الا هذا العدد القليل وكان من اغترف منه
غرفة كما أمره الله تعالى كفته لشربه وشرب دوابه وقوى قلبه وصح ايمانهوعبر النهر سالما والذين شربوا
منه وخالفوا أمر الله تعالى اسودت شفاههم وغلبهم العطش فلم يرووا وجبنوا وبقوا على شط النهر
ولم يجاوزوه وقيل جاوزوه كلهم ولكن الذين شربوا لم يحضروا القتال وانما قاتل أولئك القليل الذين لم
يشربوا وهو قوله تعالى (( فلما جاوزه هو )) يعنى جاوز النهر طالوت (( والذين لآمنوا معه )) يعنى
أولئك القليل (( قالوا)) يعني الذين شربوا من النهر وخالفوا أمر الله تعالى وكانوا أهل شك ونفاق فعلى
هذا يكون قد جاوز النهر مع طالوت المؤمن والمنافق والطائع والعاصي فلما رأوا العدو قال المنافقون
(( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده )) فاجابهم المؤمنون بقولهم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
وقيل لم يجاوز النهر هع طالوت الا المؤمنون خاصة لقوله تعالى فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه
فأن قلت فعلى هذا القول من القائل لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، قلت يحتمل ان يكن أهل
الايمان وهم الثلثمائة وبضعة عشرا تقسموا الى قسمين قسم حين رأوا العدوا وكثرته وقلة المؤمنين
قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فاجابهم القسم اللآخر بقولهم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
باذن الله والله مع الصابرين ومعنى لا طاقة لنا لاقوة لنا اليوم بجالوت وجنوده (( قال الذين يظنون ))
أي يستيقنونويعلمون (( أنهم ملاقوا الله )) أي ملاقوا ثواب الله ورضوانه في الدار الآخرة
(( كم من فئة قليلة )) الفئة الجماعة لا واحد له من لفضظه كالرهط ومثل هذا اثبت كمثل في المقومة
الاسلامية حاليا في جنوب لبنان وقطاع غزه اثبتت فعيا ان من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله
هنا الايمان بالله أولا واخرا أي بقضاء الله وارادته (( والله مع الصابرين )) يعني بالنصر والمعونة
قوله عز وجل (( ولما برزوا )) يعني طالوت وجنوده المؤمنين (( لجالوت وجنوده )) يعني الكافرين
ومعني برزوا صاروا بالبراز من الارض وهو ما ظهر واستوى منها (( قالوا )) يعني المؤمنين
أصحاب طالوت (( ربنا أفرغ )) أي أصبب (( علينا صبرا وثبت أقدامنا )) أي قو قلوبنا لتثبت أقدامنا
(( وانصرنا على القوم الكافرين )) وذلك ان جالوت وقومه كانوا يعبدون الاصنام فسأل المؤمنون
الله ان ينصرهم على القوم الكافرين (( فهزموهم باذن الله )) يعني ان الله تعالى استجاب دعاء
المؤمنين فافرغ عليهم الصبر وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافين
حين التقوا فهزموهم باذن الله يعني بقضائه وارادته ، وأصل الهزم في اللغة الكسر أي كسروهم
وردوهم (( وقتل داود جالوت )) وهنا تبدأ قصة كيف قتل داود جالوت
متابعة قصة التابوت و قتل داود جالوت
وكانت قصة قتله على ما ذكر أهل التفسير أصحاب الاخبار انه عبر النهر فيمن عبر مع طالوت أيشا أبو
داود في ثلاثة عشر إبنا له وكان داود أصغرهم وكان يرمي بالقذافة (المقلاع) فقال داود لابيه يوما ما
يا أبتاه ما أرى بقذافتي شيأ الا صرعته فقال له أبوه ابشر يابني فان الله قد جعل رزقك في قذافتك ثم
أتاه مرة أخرى فقال ياأبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبته وأخذت باذنه فلم يهجني
فقال له أبوه أبشر يا بني فان هذا خير يريده الله بك ثم أتاه يوما آخر فقال له ياأبتاه اني لامشي بين
الجبال فأسبح فلا يبقى جبل الا سبح معي فقال يابني أبشر فأن هذا خير أعطاكه الله تعالى قالوا فارسل
جالوت الجبارالى طالوت ملك بني اسرائيل أن ابرز الي وأبرز اليك أو أبرز الي من يقاتلني فان قتلتني
فلكم ملكي وان قتلته فلي ملككم فشق ذلك على طالوت ونادى في عسكره من قتل جالوت زوجته
ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله ذلك فدعا الله
فأتى بقرن فيه دهن القدس وتنور حديد وقيل له ان صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي اذا وضع هذا
القرن على رأسه سال على رأسه حتى يدهن منه رأسه ولا يسيل على وجهه بل يكن على رأسه كهيئة
الاكليل ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه فدعا طالوت بنى اسرائيل وجربهم فلم يوافقه أحد
منهم فاوحى الله الى نبيهم ان في ولد أيشا من يقتل جالوت فدعا طالوت أيشا وقال له اعرض علي بنيك
فاخرج له اثنى عشر رجلا أمثال السوارى فجعل يعرض واحدا واحدا على القرن فلا يرى شيأ فقال يا
أيشا هل بقى لك ولد غير هؤلاء فقال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يارب انه قد زعم انه لا ولد له
غيرهم فقال له كذب فقال له النبي ان الله ربي قد كذبك فقال أيشا صدق ربي يا نبي الله ان لي ولد صغير
مسقاما اسمه داود استحيت ان يراه الناس لقصر قامته وحقارته فجعلته في الغنم يرعاها وهو في
شعب كذا وكان داود عليه الصلاة والسلام رجلا قصير مسقاما أزرق أمعر مصفرا فدعا به طالوت
ويقال انه خرج اليه فوجده في الوادي وقد سال الوادي ماء وهو يحمل شاتين يعبر بهما السيل الى
الزريبه التي يريح فيها غنمه فلما رآه طالوت قال هذا هو الرجل المطلوب لاشك فيه فهذا يرحم
البهائم فهو بالناس أرحم فدعاه طالوت ووضع القرن على رأسه فتش وفاض فقال له طالوت هل لك
ان تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي قال نعم فقال له هل آنست من نفسك شيأ
تتقوى به على قتله قال نعم أنا أرعى الغنم فيجئ الاسد أوالنمر أو الذئب فيأخذ شاه من الغنم فأقوم
فافتح لحييه عنها وأخرجها من قفاه فأخذ طالوت داود ورده الى العسكر فمر داود عليه الصلاة
والسلام في طريقه بحجر فناداه يا داود احملني فاني حجر هارون فحمله ثم مر بحجر آخر فقال
ياداود احملني فأني حجر موسى فحمله ثم مر بحجر آخر فقال له ياداود احملني فأني حجرك الذي
تقتل به جالوت فحمله فوضع الثلاثة في مخلاته فلما رجع طالوت الى العسكر ومعه داود وتصافوا
للقتال برز جالوت يطلب المبارزة فانتدب له داود عليه الصلاة والسلام فاعطى طالوت داود فرسا
وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريبا ثم رجع الى طالوت فقال من حوله جبن الغلام
فجاء فوقف على طالوت فقال له ما شأنك فقال له داود عليه الصلاة والسلام ان لم ينصرني ربي
لم يغن هذا السلاح عني شيأ وان نصرني فلا حاجة لي به فدعني أقاتل كما أريد قال نعم فأخذ داود
مخلاته وتقلدها وأخذ المقلاع بيده ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان
يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة حديد وزنها ثلثمائة رطل فلما نظر الى داود وهو يريده وقع
الرعب في قلبه فقال له جالوت وانت تبرز لي قال نعم وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح
التام فقال ءأتيتني بالمقلاع والحجركما يؤتى الكلب فقال نعم وأنت شر من الكلب قال جالوت لاجرم
لاقسمن لحمك بين سباع الارض وطير السماء فقال داود عليه الصلاة والسلام أويقسم الله لحمك
ثم قال داود باسم أله أبراهيم وأخرج حجرا ثم قال باسم أله أسحاق وأخرج حجرا ثم قال باسم
أله يعقوب وأخرج حجرا ووضعها في مقلاعه فصارة الثلاثة حجرا واحدا وأدار داود المقلاع
ورمى به جالوت فسخر الله له الريح فحمت الحجر حتى أصاب أنف البيضة فحلط دماغ جالوت
وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وخرج جالوت صريعا قتيلا فأخذه داود يجره حتى
ألقاه بين يدي طالوت ففرح بنو اسرائيل بذلك فرحا شديدا وهزم الله الجيش فرجع طالوت بالناس
الى المدينة سالمين غانمين وجعل الناس يذكرون داود فجاء داود الى طالوت وقال له انجز لي
ما وعدتني فقال له أتريد ابنة الملك بغير صداق فقال داود ما شرطت علي صداقا وليس لي شئ
فقال لا أكلفك الا ماتطيق أنت رجل جرئ وفي حيالنا أعداء لنا غلف فان قتلت منهم مائتي رجل
وجئتني بغلفهم زوجتك بنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحدا منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم
مائتي غلفة فجاءبها الى طالوت وألقاها بين يديه وقال ادفع الي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى
خاتمه في ملكه فمال الناس الى داود عليه الصلاة والسلام وأحبوه وأكثروا ذكره فحسده طالوت
وأراد قتله فأخبر بذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فاخبرت بذلك داود وقالت له انك
مقتول الليلة قال ومن يقتلني قالت أبي قال وهل أجرمت جرما يوجب القتل قالت حدثني بذلك
من لا يكذب ولا عليك ان تغيب الليلة حتى تنظر مصداق ذلك فقال ان كان يريد ذلك فلا استطيع
خروجا ولكن ائتني بزق خمر فأتته به فوضعه في مضجعه على سريره وسجاه ودخل داود
تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لابنته أين بعلك قالت هو نائم على سريه فضربه
بالسيف فسال الخمر فلما وجد ريخ الخمر قال يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر وخرج
فلما اصبح علم انه لم يفعل شيأ فقال ان رجلا طلبت منه ماطلبت لحقيق ان لا يدعنى حتى
يدرك ثأره مني فشتد حجابه وحراسته وأغلق دونه أبوابه ثم ان داود أتاه ليلة وقد هدأت
العيون وأعمى الله عنه الحجاب ففتح الابواب ودخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهما
عند رأسه وسهما عند رجليه وسهما عن يمينه وسهما عن شماله وخرج فاستيقظ طالوت
فبصر بالسهم فعرفها فقال يرحم الله داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي
فكف عني ولوا شاء لوضع هذا السهم في حلقي وماأنا بالذي آمنه فلما كان من الليلة
القابلة أتاه ثانيا فأعمى الله عنه الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ أبريق وضوئه وكوزه
الذي يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيأ من طرف ثوبه ثم خرج وتوارى فلما
أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه ثم ان
طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية فقال اليوم أقتله وركض في اثره فأشتد داود
في عدوه وكان اذا فزع لم يدرك فدخل غارا فاوحى الله تعالى الى العنكبوت فنسجت عليه
فلما انتهى طالوت الى الغار ونظر الى بناء العنكبوت قال لو كان داخل هنا لتخرق هذا النسيج
وانطلق طالوت وتركه فخرج داود حتى أتى جبل المتعبدين فتعبد معهم وطعن العلماء والعباد
على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لاينهاه أحد عن قتل داود الاقتله فقتل خلقا كثيرا من
العباد والعلماء حتى أتى بأمرة تعلم الاسم الاعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز فلم يقتلها
وقال لعلنا نحتاج الى عالم فتركها ثم وقع في قلب طالوت التوبة والندم على مافعل وأقبل على
البكاء حتى رحمه الناس وكان كل ليلة يخرج الى القبور ويبكي وينادي أنشد الله عبدا يعلم لى
توبة الا أخبرني بها فلما كثر ذلك منه ناداه مناد من القبور ياطالوت أماترضى أن قتلتنا حتى
تؤذينا أمواتا فازداد حزنا وبكاء فتوجه الخباز الى طالوت لما رأى من حاله وقال مالك أيها الملك
فأخبره وقال هل تعلم لي توبة أ وتعلم في الارض عالما أسأله عن توبتي فقال له الخباز أيها الملك
ان دللتك على عالم يوشك ان تقتله فقال لا فتوثق منه باليمين فاخبره ان تلك المرأة العالمة عنده
فقال انطلق بي اليها لا سألها عن توبتي قال نعم فانطلق به فلما قربا من الباب قال له الخباز
أيها الملك انها اذا رأيتك فزعت ولكن ائت خلفي فلما دخلا عليها قال لها الخباز ياهذه ألست
تعلمين حقي عليك قالت بلى قال فان لي اليك حاجة فتقضيها قالت نعم قال هذا طالوت قد جاءك
يسأل هل له من توبة فلما سمعت بذكر طالوت غشي عليها فلما أفاقت قالت والله ما أعلم له
توبة ولكن دلوني على قبر نبي فانطلقوا بها الى قبر اشمويل فوقفت عليه ودعت وكانت تعلم
الاسم الاعظم ثم قالت ياصاحب القبر فخرج ينتفض التراب عن رأسه فلما نظر الى ثلاثتهم
قال مالكم أقامت القيامة قالت المرأة لا ولكن هذا طالوت قد جاء يسألك هل له من توبة
فقال اشمويل ياطالوت مافعلت بعدي قال لم أدع من الشر شيأ الا فعلته وجئت أطلب التوبة
فقال اشمويل ياطالوت كم لك من الولد قال عشرة رجال قال ما أعلم لك من توبة الا أن
تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتىيقتلوا بين يديك ثم تقاتل
أنت حتى تقتل آخرهم ثم ان اشمويل سقط ميتا ورجع طالوت أحزن ماكان رهبة ان لا بتابعه
بنوه على ما يريد وكان قد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فجمع أولاده وقال
لهم أرأيتم لو دفعت الى النار هل كنتم تنقذونني منها فقالوا بلى ننقذك بما نقدر عليه قال فانها
النار ان لم تفعلوا ما آمركم به قالوا أعرض علينا ما أردت فذكر لهم القصة قالوا وانك لمقتول
قال نعم قالوا فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت فتجهز هو وولده وخرج
طالوت مجاهدا في سبيل الله فقدم أولاده فقاتلوا حتى قتلوا ثم شد هو من بعدهم فقاتل حتى
قتل وجاء قاتل طالوت الى داود فبشره بقتله وقال له قد قتلت عدوك فقال داود ماأنت بباق
بعده وقتله فكان ملك طالوت الى ان قتل مدة أربعين سنة فأتى بنواسرائيل الى داود فملكوه
عليهم وأعطوه خزائن طالوت قال الكلبي والضحاك ملك داود بعد قتل جالوت سبع سنين
ولم يجتمع بنواسرائيل على ملك واحد الا على داود فذلك قوله عزوجل (( وآتاه الله الملك والحكمة ))
يعني النبوة جمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن كذلك من قبل بل كانت النبوة في
سبط والملك في سبط وقيل الحكمة هي العلم مع العلم به (( وعلمه ممايشاء )) أي وعلم الله
داود صنعة الدروع فكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل الا من عمل يده وقيل علمه منطق الطير
وقيل علمه الزبور وقيل هو الصوت الطيب والالحان ولم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوت
داود فكان اذا قرأ الزبور تدنو منه الوحوش حتى يأخذ باعناقها وتظله الطير مصيغة له
ويركد الماء الجاري وتسكن الرياح عند قراءته وقيل علمه سياسة الملك وضبطه وذلك لانه لم يكن
من بيت الملك حتى يتعلمه من آبائه وقال ابن عباس رضى الله عنهما هو ان الله تعالى
أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النور
وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب فكان لا يحدث في الهواء حدث
الا صلصلت السلسلة فيعلم داود ذلك الحدث ولا يمسها ذو عاهة الا برأ وكانوا يتحاكمون
اليها بعد داود الى أن رفعت فمن تعدى على صاحبه أو أنكره حقا أتى السلسلة فمن كان صادقا
مد يده الى السلسلة فنالها ومن كان كاذبا لم ينلها فكانت كذلك الى ان ظهر فيهم المكر والخبث
فبلغنا أن بعض ملوكهم أودع رجلا جوهرة ثمينةفلما طالبه بالوديعة أنكره أياها فتحاكما الى
السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة الى عكازة فنقرها وجعل الجوهرة فيها واعتمد عليها حتى
أتيا السلسلة فقال صاحب الجوهرة رد علي الوديعة فقال صاحبه ما أعرف لك عندي وديعة
فان كنت صادقا فتناول السلسلة فتناولها بيدهوقال للمنكر قم أنت أيضا فتناولها فقال لصاحب
الجوهرة أمسك عكازتي فأخذها الرجل منه وقام المنكر الى السلسلة وقال اللهم ان كنت تعلم
ان الوديعة التي يدعيها قد وصلت اليه فقرب السلسة مني ومد يده فتناولها فعجب القوم من
ذلك وشكوا فيها فاصبحوا وقد رفع الله السلسلة قوله عزوجل (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض))
يعني ولولا ان الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الايمان والطاعة بعضا وهم أهل الكفر
والمعصي قال ابن عباس رضى الله عنهما ولو دفع الله بجنوده المسلمين لغلب المشركون على
الارض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد وقيل معناه ولولا دفع الله بالمؤمنين والابرار
على الكافر والفجار (( لفسدت الارض )) يعني لهلكت بمن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر
وبالصالح عن الفاجر روي أحمد ابن حنبل عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ولولا دفع
الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض (( ولكن الله ذو فضل على العالمين )) يعني ان دفع الفساد
بهذاالطريق انعام وافضال عم الناس كلهم (( تلك آيات الله )) يعني القصص التي اقتصها من
حديث الالوف واماتتهم واحيئهم وتمليك طالوت واظهاره بالآية وهي التابوت واهلاك الجبابرة
على يد صبي (( نتلوها عليك بالحق )) أي باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لانه في كتبهم
(( وانك لمن المرسلين )) يعني حيث تخبر بهذا الاخبار العجيبة والقصص القديمة من غير
أن تعرف براءة كتاب ولا سماع أخبار فدل ذلك على انك من المرسلين وان الذي تخبر به
وحي من الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة التابوت بدقة متناهية
ما ذكر هنا في هذه القصة عن العلماء من السير والاخبار أن الله تعالى انزل على آدم عليه السلام تابوتا فيه
صورة الانبياء عليهم السلام وكان التابوت من خشب الشمشاد طوله ثلاثة أذرع في عرض ذراعين فكان عند
آدم ثم صار الى شيث ثم توارثه أولاد آدم الى أن بلغ ابراهيم عليه السلام ثم كان عند اسمعيل لانه كان أكبر أولاده
ثم صار الى يعقوب ثم كان في بنى اسرائيل الى ان وصل الى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة
ومتاعا من متاعه ثم كان عنده الى أن مات (أي قتل في التيه) ثم تداوله أنبياء بنى اسرائيل الى وقت اشمويل
وكان في التابوت ماذكر الله تعالى وهو قوله (( فيه سكينة من ربكم )) أختلفوا في تلك السكينة ماهي فقال علي
ون أبى طالب هيريح خجوج هفافة لها رأسان ووجه كوجه الانسان وقال مجاهد هي شئ يشبه الهرة له رأس كرأس
الخرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان وقيل له عينان لهم شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد وكانوا اذا سمعوا صوته
تيقنوا النصر فكانوا اذا خرجوا وضعوا التابوت قدامهم فاذا سار ساروا واذا وقف وقفوا وقال ابن عباس رضى الله
عنهما هي طشت من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء وقال وهب روح من الله تعالى تتكلم اذا اختلفوا
في شئ فتخبرهم ببيان ما يريدون وقال عطاء بن أبى رباح هي ما يعرفون من اللآيات التي يسكنون اليها وقال
قتادة والكلبي هي فعيلة من السكون أي طمأنينة من ربهم ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا وسكنوا اليه وهذا
القول أولى بالصحة فعلى هذا كل شئ كانوا يسكنون اليه فهو سكينة فجعل على جميع ما قيل فيه لان كل شئ يسكن
اليه القلب فهو سكينة ولم يرد فيه نص صريح فلا يجوز تصويب قول وتضعيف آخر () قوله عزوجل (( وبقية مماترك
آل موسى وآل هارون )) يعنى موسى وهارون أنفسهما بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لابى موسى الاشعري رضى
الله عنه لقد أتيت مزمارا من مزامير آل داود فالمراد به داود نفسه واختلفوا في تلك البقية التي ترك آل موسى
وآل هارون فقيل رضاض من الالواح وعصى موسى قاله ابن عباس وقيل عصا موسى وعصا هارون وشئ من ألواح
التوراة وقيل كانت العلم والتوراة وقيل كان فيه عصا موسى ونعلاه وعصا هارون وعمامته وقفيز من المن الذي
كان ينزل على بنى اسرائيل فكان التابوت عند بنى اسرائيل بتوارثونه قرنا بعد قرن وكانوا اذا اختلفوا في شئ تحاكموا
اليه فيتكلم ويحكم بينهم وكانوا اذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم فينتصرون فلما عصوا
وأفسدوا سلط الله عزوجل عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وأخذوه منهم وكان السبب في ذلك انه كان لعيلى
وهو الشيخ الذي ربى اشمويل ابنان شابان وكان عيلى حبر بني اسرائيل وصاحب قربانهم في زمنه فاحدث ابناه
في القربان شيأ لم يكن فيه وذلك انه كان منوط القربان الذي ينوطونه به كلا بين فلما أخرجا كانا للكاهن الذي
كان ينوطه فجعل ابناه كلاليب وكان النساء يصلين في بيت المقدس فيتشبثان بهن فأوحى الى اشمويل ان انطلق
الى عيلى وقيل له منعك حب الولد من ان تزجر ابنيك عن ان يحدثا في قربانى وقدسى شيأ وان يعصيانى فلأنزعن
الكهانة منك ومن ولدك ولاهلكنك وأياهما فاخبره اشمويل بذلك ففزع وساراليهم عدوهم من حولهم فامر عيلى
ابنيه ان يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو فخرجا وأخرجا معهما التابوت فلما تهيؤا للقتال جعل عيلى يتوقع الخبر
فجاء رجل فاخبره ان الناس قد انهزموا وقد قتل ابناه قال فما فعل في التابوت قال أخذه العدو وكان عيلى قاعدا
على كرسيه فشهق ووقع على قفاه فمات فخرج أمر بنى اسرائيل وتفرقوا الى أن بعث الله طالوت ملكا فسألوا
اشمويل البينة على صحة ملك طالوت فقال لهم نبيهم يعني اشمويل ان آية ملكه يعني علامة ملكه التي تدل على
صحته ان يأتيكم التابوت وكانت قصة رجوع التاوت على ماذكر ان الذين أخذوا التابوت من بنى اسرائيل أتوابه
قرية من قرى فلسطين يقال لها ازدود فجعلوه في بيت أصنام لهم ووضعوه تحت الصنم الاعظم فاصبحوا من
الغد والصنم تحته فاخذوه ووضعوه فوقه وسمروا قدمى الصنم على التابوت فاصبحوا وقد قطعت يد الصنم
ورجلاه وأصبح الصنم ملقى تحت التابوت وأصبحت أصنامهم منكسة فاخرجوا التابوت من بيت الاصنام ووضعوه
في ناحية من مدينتهم فاخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم فقال بعضهم لبعض أليس قد
علمتم ان أله بنى اسرائيل لا يقوم له شئ فأخرجوه الى قرية أخرى فبعث الله على أهل تلك الناحية فأرا
مكانت الفأرة تبيت مع الرجل فيصبح ميتا قد أكلت ما في جوفه فأخرجوه الى الصحراء ودفنوه في مخرأه لهم
فكان كل من تبرز هناك أخذه الباسور والقولنج فتحيروا فيه فقالت لهم امرأة من بنى اسرائيل كانت عندهم
وهي من بنات الانبياء لاتزالون ترون ماتكرهون مادام هذا التابوت فيكم فأخرجوه عنكم فأتوا بعجلة
باشارة تلك المرأة وحملوا عليها التابوت ثم علقوها في ثورين وضربوا جنوبهما فأقبل الثوران يسيران
ووكل الله بالثورين أربعة أملاك (ملائكة) يسوقونهما فاقبلا حتى وقفا على أرض بنى اسرائيل فكسرا
نيريهما وقطعا حبالهما ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد لبنى اسرائيل ورجعا الى أرضهما فلم يرع
بنى اسرائيل إلا والتابوت عندهم فكبروا وحمدوا الله تعالى (( تحمله الملائكة)) أي تسوقه وقال ابن عباس
رضى الله عنهما جاءت الملائيكة بالتابوت تحمله بين السماء والارض وهم ينظرون اليه حتى وضعته عند
طالوت وقال الحسن كان التابوت مع الملائكة في السماء فلما ولى طالوت الملك حملته الملائكة ووضعته بينهم
وقال قتادة بل التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقى هناك فاقبلت الملائكة تحمله حتى وضعته
في دار طالوت فأصبح في داره فاقروا بملكه (( أن في ذلك لأية لكم)) يعني قال لهم نبيهم اشمويل ان في مجئ
التابوت تحمل الملائكة لأية لكم يعنى علامة ودلالة على صدقى فيما أخبرتكم به ان الله قد بعث لكم طالوت
ملكا (( أن كنتم مؤمنين )) يعنى مصدقين بذلك قال المفسرون فلما جاءهم التابوت وأقروا بالملك لطالوت
تأهب للخروج الى الجهاد فأسرعوا لطاعته وخرجوامعهوذلك قوله عزوجل (( فلما فصل طالوت بالجنود))
أي خرج وأصل الفصل القطع يعني قطع مستقره شاخصا الى غيره فخرج طالوت من بيت المقدس بالجنود
وهم سبعون ألف مقاتل وقيل ثمانون ألفا وقيل مائة وعشرون ألفا ولم يتخلف عنه إلا كبير لكبره أو مريض
لمرضه أو معذور لعذره وذلك انهم لما رأوا التابوت لم يشكوا في النصر فسارعوا الى الخروج في الجهاد
وكان مسيرهم في حر شديد فشكوا الى طالوت قلة الماء بينهم وبين عدوهم وقالوا ان المياه لا تحملنا
فادع الله أن يجري لنا نهرا ((قال)) طالوت (( أن الله مبتليكم بنهر )) أي مختبركم به لتبين طاعتكم وهو
أعلم بذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما هو نهر فلسطين وقيل بين الاردن وفلسطين
(( فمن شرب منه فليس منى)) أي فليس من أهل ديني وطاعتي (( ومن لم يطعمه )) أي لم يذقه يعني الماء
(( فانه مني )) يعني من أهل طاعتي (( إلا من اغترف غرفة بيده )) قرئ بفتح الغين وضمها لغتان وقيل
الغرفة بالضم التي تحصل في الكف من الماء والغرفة بالفتح الاغتراف فالضم اسم والفتح مصدر
(( فشربوا منه )) يعني من النهر (( إلا قليلا منهم )) قيل هم أربعة ألاف لم يشربوا منه وقيل ثلثمائة
وبضعة عشر رجلا وهو الصحيح ويدل على ذلك ماروى عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال كان
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتحدثون ان عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين
جاوزا معه النهر ولم يجاوز معه الا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة أخرجه البخاري قيل البضع هنا ثلاثة عشر
فلما وصلوا الى النهر ألقى عليهم العطش فشرب منه الكل الا هذا العدد القليل وكان من اغترف منه
غرفة كما أمره الله تعالى كفته لشربه وشرب دوابه وقوى قلبه وصح ايمانهوعبر النهر سالما والذين شربوا
منه وخالفوا أمر الله تعالى اسودت شفاههم وغلبهم العطش فلم يرووا وجبنوا وبقوا على شط النهر
ولم يجاوزوه وقيل جاوزوه كلهم ولكن الذين شربوا لم يحضروا القتال وانما قاتل أولئك القليل الذين لم
يشربوا وهو قوله تعالى (( فلما جاوزه هو )) يعنى جاوز النهر طالوت (( والذين لآمنوا معه )) يعنى
أولئك القليل (( قالوا)) يعني الذين شربوا من النهر وخالفوا أمر الله تعالى وكانوا أهل شك ونفاق فعلى
هذا يكون قد جاوز النهر مع طالوت المؤمن والمنافق والطائع والعاصي فلما رأوا العدو قال المنافقون
(( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده )) فاجابهم المؤمنون بقولهم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
وقيل لم يجاوز النهر هع طالوت الا المؤمنون خاصة لقوله تعالى فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه
فأن قلت فعلى هذا القول من القائل لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، قلت يحتمل ان يكن أهل
الايمان وهم الثلثمائة وبضعة عشرا تقسموا الى قسمين قسم حين رأوا العدوا وكثرته وقلة المؤمنين
قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فاجابهم القسم اللآخر بقولهم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
باذن الله والله مع الصابرين ومعنى لا طاقة لنا لاقوة لنا اليوم بجالوت وجنوده (( قال الذين يظنون ))
أي يستيقنونويعلمون (( أنهم ملاقوا الله )) أي ملاقوا ثواب الله ورضوانه في الدار الآخرة
(( كم من فئة قليلة )) الفئة الجماعة لا واحد له من لفضظه كالرهط ومثل هذا اثبت كمثل في المقومة
الاسلامية حاليا في جنوب لبنان وقطاع غزه اثبتت فعيا ان من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله
هنا الايمان بالله أولا واخرا أي بقضاء الله وارادته (( والله مع الصابرين )) يعني بالنصر والمعونة
قوله عز وجل (( ولما برزوا )) يعني طالوت وجنوده المؤمنين (( لجالوت وجنوده )) يعني الكافرين
ومعني برزوا صاروا بالبراز من الارض وهو ما ظهر واستوى منها (( قالوا )) يعني المؤمنين
أصحاب طالوت (( ربنا أفرغ )) أي أصبب (( علينا صبرا وثبت أقدامنا )) أي قو قلوبنا لتثبت أقدامنا
(( وانصرنا على القوم الكافرين )) وذلك ان جالوت وقومه كانوا يعبدون الاصنام فسأل المؤمنون
الله ان ينصرهم على القوم الكافرين (( فهزموهم باذن الله )) يعني ان الله تعالى استجاب دعاء
المؤمنين فافرغ عليهم الصبر وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافين
حين التقوا فهزموهم باذن الله يعني بقضائه وارادته ، وأصل الهزم في اللغة الكسر أي كسروهم
وردوهم (( وقتل داود جالوت )) وهنا تبدأ قصة كيف قتل داود جالوت
متابعة قصة التابوت و قتل داود جالوت
وكانت قصة قتله على ما ذكر أهل التفسير أصحاب الاخبار انه عبر النهر فيمن عبر مع طالوت أيشا أبو
داود في ثلاثة عشر إبنا له وكان داود أصغرهم وكان يرمي بالقذافة (المقلاع) فقال داود لابيه يوما ما
يا أبتاه ما أرى بقذافتي شيأ الا صرعته فقال له أبوه ابشر يابني فان الله قد جعل رزقك في قذافتك ثم
أتاه مرة أخرى فقال ياأبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبته وأخذت باذنه فلم يهجني
فقال له أبوه أبشر يا بني فان هذا خير يريده الله بك ثم أتاه يوما آخر فقال له ياأبتاه اني لامشي بين
الجبال فأسبح فلا يبقى جبل الا سبح معي فقال يابني أبشر فأن هذا خير أعطاكه الله تعالى قالوا فارسل
جالوت الجبارالى طالوت ملك بني اسرائيل أن ابرز الي وأبرز اليك أو أبرز الي من يقاتلني فان قتلتني
فلكم ملكي وان قتلته فلي ملككم فشق ذلك على طالوت ونادى في عسكره من قتل جالوت زوجته
ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله ذلك فدعا الله
فأتى بقرن فيه دهن القدس وتنور حديد وقيل له ان صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي اذا وضع هذا
القرن على رأسه سال على رأسه حتى يدهن منه رأسه ولا يسيل على وجهه بل يكن على رأسه كهيئة
الاكليل ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه فدعا طالوت بنى اسرائيل وجربهم فلم يوافقه أحد
منهم فاوحى الله الى نبيهم ان في ولد أيشا من يقتل جالوت فدعا طالوت أيشا وقال له اعرض علي بنيك
فاخرج له اثنى عشر رجلا أمثال السوارى فجعل يعرض واحدا واحدا على القرن فلا يرى شيأ فقال يا
أيشا هل بقى لك ولد غير هؤلاء فقال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يارب انه قد زعم انه لا ولد له
غيرهم فقال له كذب فقال له النبي ان الله ربي قد كذبك فقال أيشا صدق ربي يا نبي الله ان لي ولد صغير
مسقاما اسمه داود استحيت ان يراه الناس لقصر قامته وحقارته فجعلته في الغنم يرعاها وهو في
شعب كذا وكان داود عليه الصلاة والسلام رجلا قصير مسقاما أزرق أمعر مصفرا فدعا به طالوت
ويقال انه خرج اليه فوجده في الوادي وقد سال الوادي ماء وهو يحمل شاتين يعبر بهما السيل الى
الزريبه التي يريح فيها غنمه فلما رآه طالوت قال هذا هو الرجل المطلوب لاشك فيه فهذا يرحم
البهائم فهو بالناس أرحم فدعاه طالوت ووضع القرن على رأسه فتش وفاض فقال له طالوت هل لك
ان تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي قال نعم فقال له هل آنست من نفسك شيأ
تتقوى به على قتله قال نعم أنا أرعى الغنم فيجئ الاسد أوالنمر أو الذئب فيأخذ شاه من الغنم فأقوم
فافتح لحييه عنها وأخرجها من قفاه فأخذ طالوت داود ورده الى العسكر فمر داود عليه الصلاة
والسلام في طريقه بحجر فناداه يا داود احملني فاني حجر هارون فحمله ثم مر بحجر آخر فقال
ياداود احملني فأني حجر موسى فحمله ثم مر بحجر آخر فقال له ياداود احملني فأني حجرك الذي
تقتل به جالوت فحمله فوضع الثلاثة في مخلاته فلما رجع طالوت الى العسكر ومعه داود وتصافوا
للقتال برز جالوت يطلب المبارزة فانتدب له داود عليه الصلاة والسلام فاعطى طالوت داود فرسا
وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريبا ثم رجع الى طالوت فقال من حوله جبن الغلام
فجاء فوقف على طالوت فقال له ما شأنك فقال له داود عليه الصلاة والسلام ان لم ينصرني ربي
لم يغن هذا السلاح عني شيأ وان نصرني فلا حاجة لي به فدعني أقاتل كما أريد قال نعم فأخذ داود
مخلاته وتقلدها وأخذ المقلاع بيده ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان
يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة حديد وزنها ثلثمائة رطل فلما نظر الى داود وهو يريده وقع
الرعب في قلبه فقال له جالوت وانت تبرز لي قال نعم وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح
التام فقال ءأتيتني بالمقلاع والحجركما يؤتى الكلب فقال نعم وأنت شر من الكلب قال جالوت لاجرم
لاقسمن لحمك بين سباع الارض وطير السماء فقال داود عليه الصلاة والسلام أويقسم الله لحمك
ثم قال داود باسم أله أبراهيم وأخرج حجرا ثم قال باسم أله أسحاق وأخرج حجرا ثم قال باسم
أله يعقوب وأخرج حجرا ووضعها في مقلاعه فصارة الثلاثة حجرا واحدا وأدار داود المقلاع
ورمى به جالوت فسخر الله له الريح فحمت الحجر حتى أصاب أنف البيضة فحلط دماغ جالوت
وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وخرج جالوت صريعا قتيلا فأخذه داود يجره حتى
ألقاه بين يدي طالوت ففرح بنو اسرائيل بذلك فرحا شديدا وهزم الله الجيش فرجع طالوت بالناس
الى المدينة سالمين غانمين وجعل الناس يذكرون داود فجاء داود الى طالوت وقال له انجز لي
ما وعدتني فقال له أتريد ابنة الملك بغير صداق فقال داود ما شرطت علي صداقا وليس لي شئ
فقال لا أكلفك الا ماتطيق أنت رجل جرئ وفي حيالنا أعداء لنا غلف فان قتلت منهم مائتي رجل
وجئتني بغلفهم زوجتك بنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحدا منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم
مائتي غلفة فجاءبها الى طالوت وألقاها بين يديه وقال ادفع الي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى
خاتمه في ملكه فمال الناس الى داود عليه الصلاة والسلام وأحبوه وأكثروا ذكره فحسده طالوت
وأراد قتله فأخبر بذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فاخبرت بذلك داود وقالت له انك
مقتول الليلة قال ومن يقتلني قالت أبي قال وهل أجرمت جرما يوجب القتل قالت حدثني بذلك
من لا يكذب ولا عليك ان تغيب الليلة حتى تنظر مصداق ذلك فقال ان كان يريد ذلك فلا استطيع
خروجا ولكن ائتني بزق خمر فأتته به فوضعه في مضجعه على سريره وسجاه ودخل داود
تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لابنته أين بعلك قالت هو نائم على سريه فضربه
بالسيف فسال الخمر فلما وجد ريخ الخمر قال يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر وخرج
فلما اصبح علم انه لم يفعل شيأ فقال ان رجلا طلبت منه ماطلبت لحقيق ان لا يدعنى حتى
يدرك ثأره مني فشتد حجابه وحراسته وأغلق دونه أبوابه ثم ان داود أتاه ليلة وقد هدأت
العيون وأعمى الله عنه الحجاب ففتح الابواب ودخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهما
عند رأسه وسهما عند رجليه وسهما عن يمينه وسهما عن شماله وخرج فاستيقظ طالوت
فبصر بالسهم فعرفها فقال يرحم الله داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي
فكف عني ولوا شاء لوضع هذا السهم في حلقي وماأنا بالذي آمنه فلما كان من الليلة
القابلة أتاه ثانيا فأعمى الله عنه الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ أبريق وضوئه وكوزه
الذي يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيأ من طرف ثوبه ثم خرج وتوارى فلما
أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه ثم ان
طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية فقال اليوم أقتله وركض في اثره فأشتد داود
في عدوه وكان اذا فزع لم يدرك فدخل غارا فاوحى الله تعالى الى العنكبوت فنسجت عليه
فلما انتهى طالوت الى الغار ونظر الى بناء العنكبوت قال لو كان داخل هنا لتخرق هذا النسيج
وانطلق طالوت وتركه فخرج داود حتى أتى جبل المتعبدين فتعبد معهم وطعن العلماء والعباد
على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لاينهاه أحد عن قتل داود الاقتله فقتل خلقا كثيرا من
العباد والعلماء حتى أتى بأمرة تعلم الاسم الاعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز فلم يقتلها
وقال لعلنا نحتاج الى عالم فتركها ثم وقع في قلب طالوت التوبة والندم على مافعل وأقبل على
البكاء حتى رحمه الناس وكان كل ليلة يخرج الى القبور ويبكي وينادي أنشد الله عبدا يعلم لى
توبة الا أخبرني بها فلما كثر ذلك منه ناداه مناد من القبور ياطالوت أماترضى أن قتلتنا حتى
تؤذينا أمواتا فازداد حزنا وبكاء فتوجه الخباز الى طالوت لما رأى من حاله وقال مالك أيها الملك
فأخبره وقال هل تعلم لي توبة أ وتعلم في الارض عالما أسأله عن توبتي فقال له الخباز أيها الملك
ان دللتك على عالم يوشك ان تقتله فقال لا فتوثق منه باليمين فاخبره ان تلك المرأة العالمة عنده
فقال انطلق بي اليها لا سألها عن توبتي قال نعم فانطلق به فلما قربا من الباب قال له الخباز
أيها الملك انها اذا رأيتك فزعت ولكن ائت خلفي فلما دخلا عليها قال لها الخباز ياهذه ألست
تعلمين حقي عليك قالت بلى قال فان لي اليك حاجة فتقضيها قالت نعم قال هذا طالوت قد جاءك
يسأل هل له من توبة فلما سمعت بذكر طالوت غشي عليها فلما أفاقت قالت والله ما أعلم له
توبة ولكن دلوني على قبر نبي فانطلقوا بها الى قبر اشمويل فوقفت عليه ودعت وكانت تعلم
الاسم الاعظم ثم قالت ياصاحب القبر فخرج ينتفض التراب عن رأسه فلما نظر الى ثلاثتهم
قال مالكم أقامت القيامة قالت المرأة لا ولكن هذا طالوت قد جاء يسألك هل له من توبة
فقال اشمويل ياطالوت مافعلت بعدي قال لم أدع من الشر شيأ الا فعلته وجئت أطلب التوبة
فقال اشمويل ياطالوت كم لك من الولد قال عشرة رجال قال ما أعلم لك من توبة الا أن
تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتىيقتلوا بين يديك ثم تقاتل
أنت حتى تقتل آخرهم ثم ان اشمويل سقط ميتا ورجع طالوت أحزن ماكان رهبة ان لا بتابعه
بنوه على ما يريد وكان قد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فجمع أولاده وقال
لهم أرأيتم لو دفعت الى النار هل كنتم تنقذونني منها فقالوا بلى ننقذك بما نقدر عليه قال فانها
النار ان لم تفعلوا ما آمركم به قالوا أعرض علينا ما أردت فذكر لهم القصة قالوا وانك لمقتول
قال نعم قالوا فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت فتجهز هو وولده وخرج
طالوت مجاهدا في سبيل الله فقدم أولاده فقاتلوا حتى قتلوا ثم شد هو من بعدهم فقاتل حتى
قتل وجاء قاتل طالوت الى داود فبشره بقتله وقال له قد قتلت عدوك فقال داود ماأنت بباق
بعده وقتله فكان ملك طالوت الى ان قتل مدة أربعين سنة فأتى بنواسرائيل الى داود فملكوه
عليهم وأعطوه خزائن طالوت قال الكلبي والضحاك ملك داود بعد قتل جالوت سبع سنين
ولم يجتمع بنواسرائيل على ملك واحد الا على داود فذلك قوله عزوجل (( وآتاه الله الملك والحكمة ))
يعني النبوة جمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن كذلك من قبل بل كانت النبوة في
سبط والملك في سبط وقيل الحكمة هي العلم مع العلم به (( وعلمه ممايشاء )) أي وعلم الله
داود صنعة الدروع فكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل الا من عمل يده وقيل علمه منطق الطير
وقيل علمه الزبور وقيل هو الصوت الطيب والالحان ولم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوت
داود فكان اذا قرأ الزبور تدنو منه الوحوش حتى يأخذ باعناقها وتظله الطير مصيغة له
ويركد الماء الجاري وتسكن الرياح عند قراءته وقيل علمه سياسة الملك وضبطه وذلك لانه لم يكن
من بيت الملك حتى يتعلمه من آبائه وقال ابن عباس رضى الله عنهما هو ان الله تعالى
أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النور
وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب فكان لا يحدث في الهواء حدث
الا صلصلت السلسلة فيعلم داود ذلك الحدث ولا يمسها ذو عاهة الا برأ وكانوا يتحاكمون
اليها بعد داود الى أن رفعت فمن تعدى على صاحبه أو أنكره حقا أتى السلسلة فمن كان صادقا
مد يده الى السلسلة فنالها ومن كان كاذبا لم ينلها فكانت كذلك الى ان ظهر فيهم المكر والخبث
فبلغنا أن بعض ملوكهم أودع رجلا جوهرة ثمينةفلما طالبه بالوديعة أنكره أياها فتحاكما الى
السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة الى عكازة فنقرها وجعل الجوهرة فيها واعتمد عليها حتى
أتيا السلسلة فقال صاحب الجوهرة رد علي الوديعة فقال صاحبه ما أعرف لك عندي وديعة
فان كنت صادقا فتناول السلسلة فتناولها بيدهوقال للمنكر قم أنت أيضا فتناولها فقال لصاحب
الجوهرة أمسك عكازتي فأخذها الرجل منه وقام المنكر الى السلسلة وقال اللهم ان كنت تعلم
ان الوديعة التي يدعيها قد وصلت اليه فقرب السلسة مني ومد يده فتناولها فعجب القوم من
ذلك وشكوا فيها فاصبحوا وقد رفع الله السلسلة قوله عزوجل (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض))
يعني ولولا ان الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الايمان والطاعة بعضا وهم أهل الكفر
والمعصي قال ابن عباس رضى الله عنهما ولو دفع الله بجنوده المسلمين لغلب المشركون على
الارض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد وقيل معناه ولولا دفع الله بالمؤمنين والابرار
على الكافر والفجار (( لفسدت الارض )) يعني لهلكت بمن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر
وبالصالح عن الفاجر روي أحمد ابن حنبل عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ولولا دفع
الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض (( ولكن الله ذو فضل على العالمين )) يعني ان دفع الفساد
بهذاالطريق انعام وافضال عم الناس كلهم (( تلك آيات الله )) يعني القصص التي اقتصها من
حديث الالوف واماتتهم واحيئهم وتمليك طالوت واظهاره بالآية وهي التابوت واهلاك الجبابرة
على يد صبي (( نتلوها عليك بالحق )) أي باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لانه في كتبهم
(( وانك لمن المرسلين )) يعني حيث تخبر بهذا الاخبار العجيبة والقصص القديمة من غير
أن تعرف براءة كتاب ولا سماع أخبار فدل ذلك على انك من المرسلين وان الذي تخبر به
وحي من الله تعالى