ا
الحارث
زائر
ضيف
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يكن عُمر بن الخطَّاب قد خطَّط في هذا الوقت لِفتح بلاد فارس المعروفة بإيران اليوم. وكان هدف الاصطدامات التي حدثت حتَّى تلك المرحلة داخل الأراضي الفارسيَّة هو الحِفاظ على إنجازات المُسلمين والمُحافظة على الأراضي الإسلاميَّة، إلَّا أنَّ العراق الذي ضُمَّ إلى رقعة الدولة الإسلاميَّة، كان يُعتبرُ أساسًا جُزءًا من بلاد العرب، لأنَّ العرب سكنوا في أنحائه قبل الإسلام، وكان عُمر يقول: «وَدِدّتُ لَو أنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ فَارِسَ جَبَلًا مِن نَارٍ لَا يَصِلُونَ إلَيْنَا مِنْهُ وَلَا نَصِلُ إلَيْهِم». ولكنَّ الفُرس لم يركنوا إلى الهُدوء، فكانوا يُجهزون الجُيوش استعدادًا لِمُواصلة الحرب، كما كانوا يقومون بأعمال التمرُّد في البلاد المفتوحة،[132] ولمَّا سأل عُمر كِبار الصَّحابة عن سبب ذلك أجابوه بأنَّ تلك الفتن لا يُمكن أن تُخمد ما لم يخرج يزدجرد من حُدود البلاد الإيرانيَّة، وأنَّ آمال الفُرس لا يُمكنُ أن تنقطع طالما تُراودهم فكرة بقاء وريث عرش «كنعان» على قيد الحياة.[133] وممَّا زاد في تشجيع الفُرس على التمادي في الخُروج على حُكم المُسلمين والاستعداد لِحرب الاسترداد، إخفاق هؤلاء في فتح مدينة اصطخر، حاضرة فارس قبل المدائن، والمعروف أنَّ العلاء بن الحضرميّ عامل عُمر على البحرين عبر الخليج إلى البر الفارسيّ دون الحُصول على إذنٍ من الخليفة، فقصد اصطخر، وتغلَّب على حامية السَّواحل، وتابع زحفه باتجاه المدينة، إلَّا أنَّهُ لم يُؤمِّن على مؤخرته، حيثُ تقضي السِّياسة العسكريَّة السليمة بِتمركز قُوَّة عسكريَّة في النقاط المُهمَّة على الطريق إلى اصطخر، فقطع الفُرس عليه خطَّ الرجعة بِقيادة الهربذ، ولم يُنقذه سوى قرار الخليفة بِإرسال مدد من حاميات البصرة والكوفة، وعزلهُ عُمر بعد ذلك جرَّاء مُغامرته غير المدروسة ووضعهُ بتصرُّف سعد.[132]
فتح الأحواز عدل
خارطة لإقليم الأحواز كما عرفهُ المُسلمون، من كتاب مسالك الممالك للإصطخريّ.
اعتقد الفُرس أنَّ الاندفاع الإسلاميّ سوف يتوقَّف بعد أن يصل المُسلمون إلى الثُغور، ولهذا اطمأنّوا على ديمومة إمبراطوريَّتهم. وكان عُمر في الأساس لا ينوي أن يتخطّى العراق، لكنَّ الأحداث المُتسارعة دفعتهُ إلى تغيير هذه السياسة تجاه الفُرس، وشجَّعتهُ الانتصارات الإسلاميَّة المُتتالية على التوغُّل في عمق الأراضي الفارسيَّة. وكانت الأوضاع السياسيَّة في فارس مُزعزعة، وأركانُ الحُكم مُتفرقين في النواحي. فقد رحل يزدجرد إلى الريِّ، إلَّا أنَّهُ تعرَّض لِمؤامرةٍ من قِبل حاكمها آبان جاذويه، فغادرها إلى خُراسان عن طريق أصفهان وكرمان، وأقام بِمرّو واتخذها قاعدةً جديدةً يحكُمُ منها ما تبقّى من إمبراطوريَّته. واستقرَّ الهُرمُزان في الأحواز، وتشتَّت جُنودُ فارس في مُختلف النواحي.[134] وأخذ يزدجرد يعمل من قاعدته في مرّو على إثارة الفُرس لاسترداد ما فقدوه، خُصوصًا بعد أن علم بِقرار الخليفة بألَّا يتعدّى المُسلمون العراق، فتحرَّكت قُوَّة عسكريَّة ضخمة نحو تستر عاصمة الأحواز بِقيادة الهُرمُزان، وأخذت تُغيرُ على قٌرى تلك الولاية المُمتدَّة بين البصرة وفارس، فطلب عُتبة بن غزوان العون من سعد بن أبي وقَّاص لِمُحاربة الهُرمُزان، فأرسل إليه فرقةً عسكريَّةً من الكُوفة بِقيادة النُعمان بن مُقرن المزني، كما كتب عُمر إلى أبي موسى الأشعريّ عاملهُ على البصرة بأن يُرسل قوَّةً عسكريَّةً من جُند البصرة بِقيادة سهل بن عُدي.[135]
كان سُكَّانُ الأحواز قد أشعلوا الثورة ضدَّ الوُجود الإسلاميّ بِفعل قُرب بِلادهم من الأبلة والبصرة، وقد أثارهم التغيير السريع للوُلاة في البصرة، وقد أملوا أن تندلع الاضطرابات الداخليَّة بين المُسلمين، ممَّا يُساعدهم على طردهم من المنطقة. سلك النُعمان طريق السَّواد وعبر دِجلة عند ميسان وتابع زحفهُ إلى الأحواز، فاجتاز نهر تيري ومناذر وسوق الأحواز، ثُمَّ اصطدم بالقوَّة الفارسيَّة بِقيادة الهُرمُزان في ناحية أربك وتغلَّب عليها. وانسحب الهُرمُزان إلى تستر وأخلى رامهرمز، فدخلها النُعمان، ثُمَّ أتمَّ فتحُ الأحواز بعد أن انضمَّ إليه الجُند الذين قدموا من البصرة بِقيادة سهل بن عُديّ، كما انضمَّ أبو موسى الأشعريّ إلى الجيش الإسلاميّ بعد ذلك، وحاصر المُسلمون تستر وقد تحصَّن بها الهُرمُزان. دام الحِصار بضعة أشهر تخلَّلهُ مُناوشات بين الطرفين كانت سِجالًا قبل أن يقتحم المُسلمون المدينة بِمُساعدة أحد سُكَّانها. وأُسر الهُرمُزان وأُرسل إلى عُمر في المدينة، فأعلن إسلامُه أمامه.[136] وكان المُسلمون قد أحاطوا بالسوس وعليها شهريار أخو الهُرمُزان، وجرت بين الطرفين عدَّة مُناوشات. وعلم المُسلمون أثناء الحِصار بأنَّ الفُرس يحشدون قُوَّاتٍ كثيفةٍ في نهاوند، فرأوا أن يُسيطروا على السوس قبل الزحف نحوها، فشنّوا هُجومًا مُركزًا على المدينة واخترقوا تحصيناتها، فاستسلم سُكَّانها وطلبوا الأمان.[1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يكن عُمر بن الخطَّاب قد خطَّط في هذا الوقت لِفتح بلاد فارس المعروفة بإيران اليوم. وكان هدف الاصطدامات التي حدثت حتَّى تلك المرحلة داخل الأراضي الفارسيَّة هو الحِفاظ على إنجازات المُسلمين والمُحافظة على الأراضي الإسلاميَّة، إلَّا أنَّ العراق الذي ضُمَّ إلى رقعة الدولة الإسلاميَّة، كان يُعتبرُ أساسًا جُزءًا من بلاد العرب، لأنَّ العرب سكنوا في أنحائه قبل الإسلام، وكان عُمر يقول: «وَدِدّتُ لَو أنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ فَارِسَ جَبَلًا مِن نَارٍ لَا يَصِلُونَ إلَيْنَا مِنْهُ وَلَا نَصِلُ إلَيْهِم». ولكنَّ الفُرس لم يركنوا إلى الهُدوء، فكانوا يُجهزون الجُيوش استعدادًا لِمُواصلة الحرب، كما كانوا يقومون بأعمال التمرُّد في البلاد المفتوحة،[132] ولمَّا سأل عُمر كِبار الصَّحابة عن سبب ذلك أجابوه بأنَّ تلك الفتن لا يُمكن أن تُخمد ما لم يخرج يزدجرد من حُدود البلاد الإيرانيَّة، وأنَّ آمال الفُرس لا يُمكنُ أن تنقطع طالما تُراودهم فكرة بقاء وريث عرش «كنعان» على قيد الحياة.[133] وممَّا زاد في تشجيع الفُرس على التمادي في الخُروج على حُكم المُسلمين والاستعداد لِحرب الاسترداد، إخفاق هؤلاء في فتح مدينة اصطخر، حاضرة فارس قبل المدائن، والمعروف أنَّ العلاء بن الحضرميّ عامل عُمر على البحرين عبر الخليج إلى البر الفارسيّ دون الحُصول على إذنٍ من الخليفة، فقصد اصطخر، وتغلَّب على حامية السَّواحل، وتابع زحفه باتجاه المدينة، إلَّا أنَّهُ لم يُؤمِّن على مؤخرته، حيثُ تقضي السِّياسة العسكريَّة السليمة بِتمركز قُوَّة عسكريَّة في النقاط المُهمَّة على الطريق إلى اصطخر، فقطع الفُرس عليه خطَّ الرجعة بِقيادة الهربذ، ولم يُنقذه سوى قرار الخليفة بِإرسال مدد من حاميات البصرة والكوفة، وعزلهُ عُمر بعد ذلك جرَّاء مُغامرته غير المدروسة ووضعهُ بتصرُّف سعد.[132]
فتح الأحواز عدل
خارطة لإقليم الأحواز كما عرفهُ المُسلمون، من كتاب مسالك الممالك للإصطخريّ.
اعتقد الفُرس أنَّ الاندفاع الإسلاميّ سوف يتوقَّف بعد أن يصل المُسلمون إلى الثُغور، ولهذا اطمأنّوا على ديمومة إمبراطوريَّتهم. وكان عُمر في الأساس لا ينوي أن يتخطّى العراق، لكنَّ الأحداث المُتسارعة دفعتهُ إلى تغيير هذه السياسة تجاه الفُرس، وشجَّعتهُ الانتصارات الإسلاميَّة المُتتالية على التوغُّل في عمق الأراضي الفارسيَّة. وكانت الأوضاع السياسيَّة في فارس مُزعزعة، وأركانُ الحُكم مُتفرقين في النواحي. فقد رحل يزدجرد إلى الريِّ، إلَّا أنَّهُ تعرَّض لِمؤامرةٍ من قِبل حاكمها آبان جاذويه، فغادرها إلى خُراسان عن طريق أصفهان وكرمان، وأقام بِمرّو واتخذها قاعدةً جديدةً يحكُمُ منها ما تبقّى من إمبراطوريَّته. واستقرَّ الهُرمُزان في الأحواز، وتشتَّت جُنودُ فارس في مُختلف النواحي.[134] وأخذ يزدجرد يعمل من قاعدته في مرّو على إثارة الفُرس لاسترداد ما فقدوه، خُصوصًا بعد أن علم بِقرار الخليفة بألَّا يتعدّى المُسلمون العراق، فتحرَّكت قُوَّة عسكريَّة ضخمة نحو تستر عاصمة الأحواز بِقيادة الهُرمُزان، وأخذت تُغيرُ على قٌرى تلك الولاية المُمتدَّة بين البصرة وفارس، فطلب عُتبة بن غزوان العون من سعد بن أبي وقَّاص لِمُحاربة الهُرمُزان، فأرسل إليه فرقةً عسكريَّةً من الكُوفة بِقيادة النُعمان بن مُقرن المزني، كما كتب عُمر إلى أبي موسى الأشعريّ عاملهُ على البصرة بأن يُرسل قوَّةً عسكريَّةً من جُند البصرة بِقيادة سهل بن عُدي.[135]
كان سُكَّانُ الأحواز قد أشعلوا الثورة ضدَّ الوُجود الإسلاميّ بِفعل قُرب بِلادهم من الأبلة والبصرة، وقد أثارهم التغيير السريع للوُلاة في البصرة، وقد أملوا أن تندلع الاضطرابات الداخليَّة بين المُسلمين، ممَّا يُساعدهم على طردهم من المنطقة. سلك النُعمان طريق السَّواد وعبر دِجلة عند ميسان وتابع زحفهُ إلى الأحواز، فاجتاز نهر تيري ومناذر وسوق الأحواز، ثُمَّ اصطدم بالقوَّة الفارسيَّة بِقيادة الهُرمُزان في ناحية أربك وتغلَّب عليها. وانسحب الهُرمُزان إلى تستر وأخلى رامهرمز، فدخلها النُعمان، ثُمَّ أتمَّ فتحُ الأحواز بعد أن انضمَّ إليه الجُند الذين قدموا من البصرة بِقيادة سهل بن عُديّ، كما انضمَّ أبو موسى الأشعريّ إلى الجيش الإسلاميّ بعد ذلك، وحاصر المُسلمون تستر وقد تحصَّن بها الهُرمُزان. دام الحِصار بضعة أشهر تخلَّلهُ مُناوشات بين الطرفين كانت سِجالًا قبل أن يقتحم المُسلمون المدينة بِمُساعدة أحد سُكَّانها. وأُسر الهُرمُزان وأُرسل إلى عُمر في المدينة، فأعلن إسلامُه أمامه.[136] وكان المُسلمون قد أحاطوا بالسوس وعليها شهريار أخو الهُرمُزان، وجرت بين الطرفين عدَّة مُناوشات. وعلم المُسلمون أثناء الحِصار بأنَّ الفُرس يحشدون قُوَّاتٍ كثيفةٍ في نهاوند، فرأوا أن يُسيطروا على السوس قبل الزحف نحوها، فشنّوا هُجومًا مُركزًا على المدينة واخترقوا تحصيناتها، فاستسلم سُكَّانها وطلبوا الأمان.[1