بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام:
موضوع اليوم موضوع يمس كل إنسان، هذا الموضوع حول أن إنساناً أصابته مصيبة، هذه المصيبة نغصت عليه حياته أو قلبت حياته إلى جحيم، ما السبيل إلى الخلاص منها ؟ هل في هذا الدين القويم، وهذا الشرع الحنيف، دواء ناجح لهذا الداء، وما أكثر المصائب، مصائب في المال، مصائب في النفس، مصائب في الأهل.
ثبت أيها الأخوة في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً))
(البخاري ـ ابن ماجة )
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلا، النفي والاستثناء، هذه صيغة الحصر يعني أي داء أنزله الله عز وجل أنزل له شفاءً، بقي الداء بأوسع معانيه الداء المادي والداء المعنوي، الداء في الجسم، والداء في النفس.
(( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً))
وفي صحيح مسلم:
((عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
( مسلم ـ أحمد )
أولاً هذا الحديث يملأ النفس ثقةً برحمة الله، ثانياً الحديث علمي كل شيء خلقه الله مما يؤذي الإنسان خلق له ما يشفيه، طبعاً فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، هذا الموضوع متعلق بالطب إذا عرف الطبيب حقيقة المرض ووصف له الدواء برأ بشرط أن يسمح الله لهذا الدواء أن يفعل فعله، وفي حديث ثالث ورد في مسند الإمام أحمد:
(( عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ))
(أحمد ـ ابن ماجة )
((عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَدَاوَى، قَالَ: نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ قَالَ الْهَرَمُ قَالَ أَبمو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ))
( الترمذي ـ أبي داود ـ ابن ماجة)
حديث رواه الإمام البخاري، وحديث رواه الإمام مسلم، وحديث رواه الإمام أحمد في مسنده كل هذه الأحاديث تبين أن أي داء خلقه الله خلق له شفاءً، يأس لا يوجد، قنوط لا يوجد، اليأس هو الكفر القنوط هو الكفر، لا يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون، قال تعالى:
﴿لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)﴾
(سورة يوسف )
القنوط واليأس يساويان الكفر، السبب لأن المؤمن يؤمن بأن الله بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير وأن العبد إذا دعاه سمعه فإذا كان الدعاء خالصاً استجاب الله له.
النقطة الثانية الآن هذه الأحاديث الصحيحة أريد أن أصل منها إلى تعميم الموضوع لا إلى تضيقه، أكثركم توهم أن لكل داء دواء يعني كل مرض الله خلقه في الإنسان له دواء، أنا أريد أن أوسع هذا أي مرض يصيب الإنسان حتى ولو كان مرضاً نفسياً، حتى ولو كان قضية في الدين، كل مشكلة لها حل والدليل:
(( عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ، فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ شَكَّ مُوسَى عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ))
( أبي داود )
إذا إنسان لا يملك الجواب هذا داء ـ الجهل ـ شفاءه السؤال، معنى هذا أن النبي وسع الموضوع، الأحاديث الصحيحة الثلاثة ليست متعلقة بالطب فقط، إنسان يعاني من مرض الجهل، هذا المرض دواءه السؤال فقال عليه الصلاة والسلام:
((قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ أَوْ يَعْصِبَ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ))
أخبر أن الجهل داء وأن شفاءه هو السؤال، طبعاً درسنا اليوم نريد من هذا الدرس أن نوسع مفهوم هذه الأحاديث، أي مشكلة تعاني منها أي قضية نفسية، اجتماعية، أسرية، زوجية، مالية، اقتصادية مرضية، أي مشكلة تعاني منها ما من داء إلا وقد خلق الله له دواء علمه من علمه وجهله من جهله، يعني إن لم تعلم الدواء ليس معنى هذا أن الدواء غير موجود، إن لم تعلم الدواء اسأل من يعلم الدواء لكل داء دواء.
الآن القرآن الكريم الله عز وجل جعله شفاءً، لا شك أعيد مرة ثانية الأحاديث الصحيحة الثلاثة التي بدأت بها الدرس قد يتوهم أحدكم أنها متعلقة بالجسم فقط، الله عز وجل جعل القرآن هو الشفاء، كم من مشكلة فكرية يعاني منها الإنسان يجد حلها في القرآن، كم من سؤال مستعصي يراود الإنسان يجد حله في القرآن، كم من حالة كآبة يعاني منها الإنسان يجد حلها في القرآن فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾
( سورة فصلت (
القرآن شفاء، ربنا جل جلاله جعل هذا رحمةً لنا وشفاء الأمراض النفسية، أمراض في الفكر، أمراض في العقيدة الأزمات النفسية، الضيق النفسي، اليأس أحياناً الشرود، الخوف الشديد، الخوف المرضي، هذه كلها أمراض شفاؤها بالقرآن.
أيها الأخوة:
يوجد عندنا دواء لكل داء، الآن بدأنا في الأدوية، دواء لكل داء في متناول كل إنسان وبإمكان كل إنسان أن يتناوله، مبذول ولكن لا أحد يعبأ به، والله الذي لا إله إلا هو إن هذا الدواء يفعل فعل السحر في الأمراض، هذا الدواء هو الدعاء، أنا أعلم علم اليقين أن أناساً كثيرين لا يقيمون وزناً للدعاء، ما الدعاء ؟ أنت حينما تدعو خالق الكون الله جل جلاله بعلمه وقدرته، ورحمته معك، فأي شيء تخافه عندئذ، لكن الدعاء له شروط، الآن أخ يعاني من مشكلة، يعاني من ضيق ذات يد، لا سمح الله من مرض عضال، من شبح مصيبة من مشكلة في بيته، من مشكلة بأولاده، مشكلة مع زوجته مشكلة في دخله، في رزقه، مشكلة في نفسه كآبة، أية مشكلة تعاني منها الدعاء هو الشفاء لهذه المشكلة، لكن الدعاء علمه أصحاب رسول الله فاستعملوه كما أراد الله.
أولاً يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ))
( الترمذي)
أول شرط من شروط الدعاء المستجاب أن يجتمع القلب مع اللسان دعاء باللسان لا قيمة له، لا يستجاب أما إذا كان القلب مع اللسان كان القلب خاشعاً، وكان حاضراً، وكان مخلصاً وجاء الدعاء فهذا الدعاء يعد أكبر سلاحاً بيدك، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ))
دعاء فصيح، صوت مرتفع، موزون، فيه سجع، منتقى، محكم والقلب غافل، والقلب ساه ولاه، هذا الدعاء لا يقبل أما إذا جعلت قلبك مع لسانك، كان قلبك حاضراً وخاشعاً، وكان قلبك ملتفتاً إلى الله عز وجل فهذا الدعاء يفعل فعلاً سحرياً، أول شرط صحوة القلب وحضوره.
الشرط الثاني: أكل المال الحرام يبطل قيمة الدعاء، في الدخل يوجد شبهة، لا يوجد ورع، لا يوجد دقة، في البيع كذب، تدليس إخفاء عيب، يمين كاذبة، يمين فاجرة، في تساهل، في آلاف المخالفات في البيع والشراء، إذا كان في مخالفات في البيع والشراء صار المال حرام ومن أكل طعام اشتراه بمال حرام منع الدعاء المستجاب.