بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل اللهم على نبينا محمد واله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا
اعلم أنه لا فلاح، ولا نجاح، ولا توفيق، ولا هداية، إلّا عن طريق النور الرباني الذي أنزله الله على نبيه ﷺ . عائض القرنيالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل اللهم على نبينا محمد واله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا
قال الله تعالى:
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم)
والتغيير يكون مبدؤه الارادة وطريقه صدق العزيمة للعمل وتحقيقه بالعمل وصدق العزيمة التي يقوم بها العمل تحتاج لتحديد مراد معين لتقوى عليه الهمة وتركز عليه الفكرة ولا يتشتت ويضيع عزمه .
التغيير لابد منه ويكون بالانتقال من مجاراة الهوى والنفس إلى أن تكون متبعاً لنظام مقنن يختصر لك الطريق فتصل وإلا فالعمر قصير
كلاهما مريد الدنيا ومريد الآخرة يحتاج لكبح جماح نفسه والحد من مجاراة هواه ليحقق أهدافه فما أفلح إلا من عاند هواه لكن مريد الآخرة يحتاج لأضعاف كبح الجماح والأهواء وطول الصبر لأن أجره نسيئة والدنيا يدا بيد
وكل أحد يدعو إلى الطريق الذي يعرفه أو سلكه واعتاده و ينصح به ويدل عليه غيره ويرى سواه مهلكة وانحراف عن الجادة وعاقبته شر العواقب والله أعلم بعباده والأصلح لهم في دنياهم وأخراهم وقد أنزل علينا الكتاب وجعل لنا رسوله أسوة وأصحابه قدوة وزمان بعثته وحال دنياهم عبرة وحذر من فتنة انفتاح الدنيا وهكذا حال خير القرون آية لكل مفتون
وأهل الدين والدنيا مجمعون على ضرورة مخالفة الهوى والنفس لتحقيق المصلحة والمرادات الجليلة والسلامة من المعاطب واختلفوا في حقيقته ومواضعه
وايضا يدل التغيير من مجاراة الهوى إلى مخالفته على قوة الإرادة
الإرادة هي روح التغير
الانسان من دون إرادة لن يتقدم لن يتغير لن يتبدل
كل شيء نفعله يحتاج الى إرادة
والمقصود بالارادة للمؤمن إرادة وجه الله والدار الآخرة وعلامتها تنفيذ خطة الطريق الشرعية ومتابعتها بدقة أما إرادة الدنيا فقد بين الله أمرها لنا (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لايبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) هود
وقال: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) الشورى
وقال: (من كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا . وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) الاسراء
فتجد مريد الدنيا متحركاً مخططاً لأمر دنياه وإذا جاء فعل حكم الشرع استسلم للقدر "اعمل نفسك ميت" ومعلوم أن أمر الله في شرعه جارٍ على قوانين الدنيا يحتاج في تنفيذه كما يعمل الناس لدنياهم من الدراسة والجد و التخطيط والترتيب والاجتهاد وكما يجتمعون في الدراسة ويحترمون الاستاذ ومدير العمل وينفذون أوامره ويستمرون سنين بعد سنين ليأخذوا شهادة الدنيا ويترقوا في المناصب فهم بحاجة للإجتماع لتعلم الدين والعمل له وتنفيذه (أن أقيموا الدين) ويحترموا معلمه لوجه الله(يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) ليتبوؤا منازل أهل العلم ومريدي الآخرة ويترقوا في درجاتها (فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا) إذا جاء تنفيذ أوامر الله تماوتوا وطعنوا فيمن يدعوهم إليها وإذا جاء صاحب رواتبهم استعبدوا أنفسهم له بالقول والفعل
ياصاحب القرش أأحرارٌ على الدين وللدنيا أذلاءُ
الدنيا تأتي تبع (والله يريد الآخرة) هكذا دعا الله من أراد مراده وأشار أن قد كُفيتها: (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا ) وإن ابتلي فيها أحد من المؤمنين فقد بلي غيره بأشد منها في دينه أو نفسيته و عافيته وكل سيأتيه حظه منها إلى أجله وإنما الذي أمرض المرضى الهم وضعف اليقين ومن اطمأن ووثق لو كان عيشه يوماً بيوم ما اهتم إلا بتنفيذ الأهم مما اندرس من أمر الدين وذو الجمع لها يشقى ويهتم ولو كنز لشهور وسنين بل ما قد يتجاوز عمره لو عقل وأقصر طول الأمل ، لكن هكذا جعل الله لكل شيء ضد فمن أعرض عن الآخرة تعلق بالدنيا وهما ضرتان وهذا الانصراف عن أحكام الله الشرعية وفروضه الحتمية إلى الدنيا قد يكون بمجرد ميل القلب والتطلع والجيب فارغ لكنه أذهب نفسه عليها حسرات كما أن الجامع جعلها أم المسرات فاستغنى بها عن الدين (كلآ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى) واستغنى أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي وعدت عيناه عنهم واعتزلهم وعاداهم يريد زينة الحياة الدنيا ويستهزء بمن يحذره منها أو يلمح .
خاتمة نافعة :
وقوى الإرادة في مضادة الهوى قوتان قوة طلب وتحقيق للمراد النافع وإن ثقل عليها فعله ، وقوة دفع وهجر لهوى النفس المردي وإن شق عليها تركه .
واعلم أن ارادة الترك والهجران للمرغوب الردي هي أساس القوة لإرادة الطلب للترقي لأنه لا يمكن التحميل على الممتليء فالترك ثم الطلب في عمل الارادة هما مبنى أصلَي التزكية: التخلية والتحلية ويحتاجان للتفرغ من كل شاغل ليستجمع قواه وهمته ويعمل لتحقيق مراده لذلك كان كان يسمى طالب التهذيب والأدب مريد لأنه أحوج ما يكون لتحقيق التزكية لقوة إرادة وتحديد همه وهدف فأسموه بها .
قال الشاعر:
فقل لطبيب الحب ان كان صادقا
بأي الرقى تشفي الفؤاد المتيما
فقال الطبيب : الهجر يشفى من الهوى
ولن يُجمع الهجران قلبا مقسما
فمن كان يفعل نافلة تغرره عن فريضة وتسهل عليه الجريرة وتوقعه في الأمن من مكر الله وتقسم همته وتوهنها عن فعل الأولى له فعليه بالتفرغ منها وتحديد الارادة وتوجيهها لما قصر فيه ولزمه تداركه فإن الشيطان يفتح سبعين باباً من الخير ليصد عن واحد هو أهم وأولى وأنفع لهذا العبد ولا يقبل الله نافلة حتى تقام الفريضة والتقصير في النافلة خير من ارتكاب الكبيرة .
وصلى الله على رسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً