صلاة الكسوف: رابط
الكسوف: هو انحجاب ضوء أحد النيرين الشمس والقمر أو بعضه، والخسوف مرادف له، ويطلق أحدهما على الآخر إذا افترقا، وإن اجتمعا:
فالكسوف: انحجاب ضوء الشمس أو بعضه نهاراً.
والخسوف: ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلاً.
.حكمة حدوث الكسوف:
بكسوف الشمس والقمر يخوّف الله عباده، ويوقظهم من الغفلة؛ ليعلم العباد أن وراء هذا الكون العظيم خالقاً مدبراً قديراً بيده كل شيء، وأنه ليس بغافل عن ملكه وخلقه، وأنه قادر على أن يعاقبهم بآية من آياته الكونية العظام، بأن يسلبهم نور الشمس والقمر فيظلون في أرضهم يعمهون.
وفي حصول الكسوف من الحكم:
ظهور قدرة تصرف الرب في مخلوقاته العظيمة، والإعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له ليحذر من له ذنب، وإعلام الناس ببعض ما سيجري يوم القيامة، وتنبيه القلوب الغافلة وإيقاظها لتعود إلى الله، وتخويف العباد من إقامتهم على معاصي الله، وأن يتبين بتغيرهما تغير ما بعدهما وما سواهما.
قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [59]} [الإسراء:59].
وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [37]} [فُصِّلَت:37].
.أسباب الكسوف والخسوف:
الله جل جلاله يفعل في ملكه ما يشاء، وقد جعل الله لكل شيء سبباً.
فسبب كسوف الشمس هو توسط القمر بين الشمس والأرض.
وسبب خسوف القمر هو توسط الأرض بين الشمس والقمر.
وقد أجرى الله العادة أن كسوف الشمس لا يحصل إلا في الإسرار آخر الشهر إذا اقترن النيِّران.
ولا يحصل خسوف القمر إلا في الإبدار في الليالي البيض في نصف الشهر إذا تقابل النيِّران.
فإذا اتفق مرور القمر بين الشمس والأرض حصل كسوف كلي للشمس، فإن لم تكن مقابلة القمر للشمس كاملة صار كسوف الشمس جزئياً، ولا يمكن أن يحجب القمر الشمس عن جميع الأرض؛ لأنه أصغر منها، فلا يكون كسوف الشمس كلياً في جميع أقطار الدنيا أبداً، إنما يكون في موضع معين، مساحته بقدر مساحة القمر.
.معرفة وقت الكسوف:
الكسوف والخسوف لهما أوقات مقدرة تُعلم بالحساب، كما لطلوع الهلال وقت مقدر يُعلم بالحساب.
فالشمس لا تكسف إلا في نهاية الشهر وقت اختفاء القمر واستسراره، والقمر لا يخسف إلا في وقت الإبدار في منتصف الشهر في الليالي البيض.
لا يُكَذُّب المخبر بالكسوف والخسوف ولا يُصَدَّق، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب مع ذلك فلا يكادون يخطئون، لكننا لا نصلي حتى نرى ذلك.
عَنْ أبي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا». متفق عليه.
.حكمة مشروعية صلاة الكسوف:
الشمس والقمر آيتان من آيات الله الكبرى، ومن نعمه العظام التي تتوقف عليها حياة الكائنات.
وكسوف الشمس والقمر فيه إشعار بأنها قابلة للزوال، بل فيه إشعار بأن الكون كله في قبضة إله قدير يفعل في ملكه ما يشاء.
وذلك ينشأ عنه خوف العباد، وتوقع نزول عذاب، فتضطرب القلوب، وتستوحش مما في الغيب.
فأمرنا الله عز وجل عند ذلك بما يزيل هذا الخوف والوحشة بالصلاة، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق وغير ذلك مما يدفعه ويرفعه من القُرَب والأعمال الصالحة.
عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فَزِعاً يَخْشَى أنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، حَتَّى أتَى المَسْجِدَ، فَقَامَ يُصَلِّي بِأطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، مَا رَأيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلاةٍ قَطُّ، ثُمَّ قال: «إِنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لا تَكُونُ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». متفق عليه.
.حكم صلاة الكسوف:
صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة على كل مسلم ومسلمة في الحضر والسفر.
عَنِ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ، يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْكَشِفَ». متفق عليه.
وَعَنْ عَائِشَةَ َرَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ، فَبَعَثَ مُنَادِياً: «الصَّلاةُ جَامِعَةٌ». فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأرْبَعَ سَجَدَاتٍ. أخرجه مسلم.
.وقت صلاة الكسوف:
الكسوف الذي وقع للشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقع مرة واحدة في أول النهار، على مقدار رمح أو رمحين من طلوع الشمس. وذلك في الساعة الثامنة صباحاً في الصيف، في يوم الإثنين، في آخر شهر شوال، من السنة العاشرة للهجرة، ووافق ذلك موت ابن النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مسرعاً فزعاً يجر رداءه فصلى بالناس صلاة الكسوف.
وقت صلاة الكسوف والخسوف يبدأ من ظهور الكسوف أو الخسوف إلى زواله.
وتصلى صلاة الكسوف والخسوف متى حدث الكسوف في أي وقت من ليل أو نهار حتى ينجلي.
وينتهي وقت صلاة كسوف الشمس بانجلاء الكسوف، أو غروبها كاسفة.
وينتهي وقت صلاة خسوف القمر بانجلاء الخسوف، أو غياب القمر وهو خاسف، أو طلوع الشمس.
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ، فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». أخرجه البخاري.
.صفة صلاة الكسوف:
صلاة الكسوف والخسوف ليس لها أذان ولا إقامة، لكن ينادى لها ليلاً أو نهاراً بلفظ الصلاة جامعة مرة أو أكثر.
صلاة الكسوف السنة أن تصلَّى في المسجد جماعة، ويجوز أن تصلَّى فرادى؛ لأنها نافلة، ولكنها جماعة أفضل.
صلاة الكسوف ركعتان يجهر فيهما الإمام بالقراءة، وفي كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان.
يكبر الإمام، ثم يستفتح، ثم يتعوذ، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهراً، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من الركوع قائلاً: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
ثم يقرأ جهراً الفاتحة وسورة أقصر من الأولى، ثم يركع أقل من الركوع الأول، ثم يرفع من الركوع قائلاً: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد.
ثم يسجد سجدتين طويلتين الأولى أطول من الثانية، بينهما جلوس، الأول أطول من الثاني.
ثم يقوم ويأتي بركعة ثانية على هيئة الأولى لكنها أخف، ثم يتشهد ويسلم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ، فَصَلَّى رَسُولُ بِالنَّاسِ، فَقَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ، وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا». ثُمَّ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَالله مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ الله أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلبَكَيْتُمْ كَثِيراً». متفق عليه.
.ما يسن أن يفعل عند الكسوف:
يسن للإمام أن يخطب بعد صلاة الكسوف خطبة واحدة، يعظ فيها الناس، ويذكرهم بالله، وبأمر هذا الحدث العظيم لترق قلوبهم.
ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار والصدقة والعتق وسائر القُرَب.
يسن للمسلمين الإكثار من الدعاء والاستغفار والصدقات حتى ينجلي الكسوف.
عَنْ أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ يُصَلُّونَ؟ فَأشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأطَالَ رَسُولُ القِيَامَ جِدّاً، حَتَّى تَجَلانِي الغَشْيُ، فَأخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي، فَجَعَلْتُ أصُبُّ عَلَى رَأْسِي أوْ عَلَى وَجْهِي مِنَ المَاءِ، قَالَتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ رَسُولُ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قال: «أمَّا بَعْدُ، مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أكُنْ رَأيْتُهُ إِلا قَدْ رَأيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَإِنَّهُ قَدْ أوحِيَ إِلَيَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ قَرِيباً أوْ مِثْلَ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». متفق عليه.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعاً، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى المَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: «هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». متفق عليه.
وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا رَأيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». متفق عليه.
.حكم المسبوق في صلاة الكسوف:
المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى فقد أدرك الركعة.
إن أدركه في الركوع الأول من الركعة الثانية فقد أدرك الركعة، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعة بركوعين وسجودين.
إن أدرك الإمام في الركوع الثاني من إحدى الركعتين فقد فاتته الركعة فيقضيها كما سبق.
.حكم قضاء صلاة الكسوف:
صلاة الكسوف من ذوات الأسباب، فإذا انجلى الكسوف من فاتته فإنه لا يقضيها لزوال سببها وهو الكسوف.
.ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الكسوف فزعاً يخشى أن تكون الساعة، فصلى بالناس في المسجد، ورأى في صلاته ما لم يره من قبل.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قالَ رَسُولُ: «رَأيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ، حَتَّى لَقَدْ رَأيْتُنِي أرِيدُ أنْ آخُذَ قِطْفاً مِنَ الجَنَّةِ حِينَ رَأيْتُمُونِي جَعَلْتُ أقَدِّمُ، (وَقَالَ المُرَادِيُّ: أتَقَدَّمُ) وَلَقَدْ رَأيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، حِينَ رَأيْتُمُونِي تَأخَّرْتُ، وَرَأيْتُ فِيهَا ابْنَ لُحَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ». أخرجه مسلم.
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ قَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا الشَّمْسُ وَالقَمَرُ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَإِذَا رَأيْتُمْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ، مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلا قَدْ رَأيْتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأيْتُمُونِي تَأخَّرْتُ مَخَافَةَ أنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأيْتُ فِيهَا صَاحِبَ المِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قال: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعاً، ثُمَّ جِيءَ بِالجَنَّةِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي، وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأنَا أرِيدُ أنْ أتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِي أنْ لا أفْعَلَ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلا قَدْ رَأيْتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ». أخرجه مسلم.
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيباً مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ-لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ، أَوِ المُوقِنُ-لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ، جَاءَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ: لَهُ نَمْ صَالِحاً، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِناً، وَأَمَّا المُنَافِقُ، أَوِ المُرْتَابُ-لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ». متفق عليه.
وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئاً فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُوداً، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَراً كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ». قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِالله؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ». متفق عليه.
فعلى العبد أن يستحضر في قلبه هذه الأمور العظيمة، وهيبة الوقوف بين يدي الله، فإن ذلك يثمر الخوف من الله عز وجل.