السميع"

هو الذي يسمع السر والنجوى، والجهر والخفوت (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).

وهو الذي يسمع جميع الأصوات باختلاف اللغات، فالسر عنده علانية والبعيد عنده قريب.

وهو الذي يسمع نداء المضطرين، ويجيب السائلين، ويعطي المحتاجين.
ورد اسم الله
السميع في القرآن الكريم خمسًا وأربعين مرة، اقترن في أكثر من ثلاثين منها بالعليم ،كما اقترن في عشرة مواضع بالبصير، وجاء مقترناً بالقريب مرة واحدة، وجاء منفردا في مواضع مثل قوله تعالي:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ
.[2] سورة إبراهيم:39
ومن آثار الإيمان بهذا الاسْم العظيم:
أوَّلاً: إثبات صفة السَّمع له - سبحانه - كما وصف الله نفسَه بذلك؛ قال تعالى: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرَّعد: 10]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
وإن سألت عن سمْعِه، فهو السَّميع الَّذي قد كمل في سمْعِه، فاستوى في سَمْعِه سرُّ القول وجهره، وَسعَ سمعُه الأصواتَ، فلا تختلف عليه أصوات الخلْق، ولا تشتبه عليه، ولا يشغله منها سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرَّم بإلحاح الملحِّين على الدَّوام، يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللُّغات، على تفنُّن الحاجات، بل هي عنده كلها كصَوْت واحد، كما أنَّ خلق الخلق جَميعهم وبعثهم عنده بمنزلة نفس واحدة؛ قال ابن القيّم - رحِمه الله -:
وَضَجِيجُ أَصْوَاتِ العِبَادِ بِسَمْعِهِ ♦♦♦ وَلَدَيْهِ لا يَتَشَابَهُ الصَّوْتَانِ
قال تعالى: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [لقمان: 28]، وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29].
ثانيًا: أنَّ سمع الله ليس كسمْع أحدٍ من خلْقِه، فإنَّ الخلق وإنْ وُصفوا بالسَّمع والبصر كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]، إلاَّ أنَّ سمْعَهم وبصرهم ليس كخالقِهم، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، روى الإمام أحْمد في مسنده والبخاريُّ في صحيحه تعليقًا عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "الحمدُ للَّه الَّذي وسِع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة إلى النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - تكلِّمُه وأنا في ناحية البيْت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ [المجادلة: 1]"
وروى البخاري ومسلم في صحيحَيْهما من حديث أبي موسى الأشْعري قال: كنَّا مع النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في سفَر، فكنَّا إذا علوْنا كبَّرنا، فقال النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أيُّها الناس، ارْبَعُوا على أنفُسِكم؛ فإنَّكم لا تدْعون أصمَّ ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا)).
ثالثًا: أنَّ الله قد أنكر على المشْركين الَّذين ظنُّوا أنَّ الله لا يسمع السِّرَّ والنَّجوى؛ روى البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسْعود قال: اجتمع عند البيت قرشيَّان وثقفي، أو ثقفيَّان وقرشي، كثيرةٌ شحم بطونِهم، قليلة فقْه قلوبهم، فقال أحدهم: أتروْنَ أنَّ الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرْنا، ولا يسمع إن أخفيْنا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرْنا، فإنَّه يسمع إذا أخفيْنا، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ﴾ [فصلت: 22]وكذا قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾ [الزخرف: 80].
رابعًا: إذا علِم العبد أنَّ ربَّه يسمع كلَّ شيء، لا تَخفى عليه خافية، فيسمع حركاتِه وسكَناتِه، حمَله ذلك الاعتِقادُ على المراقبة لله - سبحانه - في جَميع الأحوال، وفي جميع الأمكِنة والأزمِنة، فيُمسك عن كلِّ قولٍ لا يُرْضي ربَّه، ويَحفظ لسانه فلا يتكلَّم إلاَّ بِخير، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7].
خامسًا: أنَّ الله هو السَّميع الَّذي يسمع المناجاة، ويُجيب الدُّعاء عند الاضطِرار، ويكْشِف السُّوء، ويقبل الطَّاعة، وقد دعا الأنبِياء والصَّالحون بهذا الاسم؛ ليقبل منهم طاعتهم، ويستجيب لدعائهم، فإبراهيم وإسماعيل قالا: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، ودعا زكريا أن يرزُقَه الله ذرّيَّة صالحة: ﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، فاستجاب الله دعاءه، ودعا يوسف - عليه السَّلام - أن يصرف عنه كيْدَ السُّوء؛ ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف: 34].
سادسًا: أنَّ العبد إذا دعا ربَّه فسمع دعاءَه سماعَ إجابةٍ، وأعْطاه ما سأله وعلى حسبِ مُرادِه ومطلبه، أو أعطاه خيرًا منْه، حصل له بذلك سُرُور يَمْحو من قلْبِه آثارَ ما كان يجِدُه من وحشة البعد، فإنَّ للعطاء والإجابة سرورًا وأنسًا وحلاوة، وللمنْع وحشة ومرارة، فإذا تكرَّر منْه الدُّعاء، وتكرَّر من ربِّه سماع وإجابة لدعائه، محا عنه آثار الوحشة، وأبدله بها أنسًا وحلاوة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].
كيف نعبد الله باسمه "السميع"؟

أن نراقب الله في أقوالنا فلا نقول إلا ما يرضي الله ولا نتكلم إلا بما يقربنا إلى الله.

أن نصبر على أذى الخلق.

أن نلجأ إلى الله تعالى دائما وأبدا في جميع حوائجنا، لأنه تعالى وحده السميع لدعاء عباده، المجيب لهم، المفرج لكرباتهم، وكان الأنبياء والصالحون يدعونه بهذا الاسم (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).