و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
قال نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و هل تنصرون إلا بضعفائكم .
..
فَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» (رواه
البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ» (رواه النسائي، وصححه
الألباني). وفي رواية: «هَلْ تُنْصَرُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ بِدَعْوَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ» (رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني).
فكم مِن نصر أو فضل عبر التاريخ نُسب في
الدنيا لأسماء بارزة مِن أعلام المجاهدين والعلماء والقادة. وأما عند الله وفي الآخرة، فقد يكون له سبب آخر خفي، هو دعوة صادقة خالصة من رجل من أغمار الناس لا يعلمه أحد، ولا يفطن أحد إليه: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طَمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
هو فارس نعم، ولكن ليس في الميدان، وإنما هو من فرسان الأسحار والمحاريب. هو قائد نعم، ولكن ليس في معركة الوغى، وإنما معركته خفية، هي معركة
القلوب والإخلاص، قلبه احترق واشتعل غيرة على دين الله، ذرف الدمع وما معه من سبيل إلا سهم دعائه يرمي به من وتر قوس قلبه إلى الهدف، إلى السماء، فتصل الاستغاثة ويأتي المدد، وتنقلب الموازين، وتتبدل مجريات الأمور في لطف وخفية من الناس، وبغير سبب ظاهر لهم، ولكن كل ذلك عند ربي في كتاب {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه من الآية:52].
ويشهد لذلك قصة الحديث: إذ رأى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لنفسه فضلاً وسبقًا، ليس كبرًا ولا غرورًا ولا عجبًا،وحاشاه رضي الله عنه فإنه مِن العشرة المبشرين بالجنة، ومِن السابقين الأولين من المهاجرين: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [لتوبة:100]، بل هو سادس مَن أسلم من المسلمين، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وفدّاه
النبي صلى الله عليه وسلم جامعًا له أباه وأمه عليه الصلاة والسلام، فقال في غزوة أحد: «يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» (متفق عليه).
وهو أحد الستة أصحاب الشورى الذين أوصي عمر رضي الله عنه لأحدهم بالخلافة من بعده، ومناقبه لا تحصي، ويكفي أنه من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام الذين قال فيهم ابن مسعود رضي الله عنه: "أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أرق هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا".
وإنما استحضر سعد رضي الله عنه نعمة الله عليه، ورأى ما خصه به من دون الكثير من السبق للإسلام والجهاد في سبيل الله، رآها رؤية شاكر لا رؤية عجب وغرور: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس من الآية:58].
ولعل لما سيكون له من شأن ولما سيوليه الله من أمر المسلمين، أراد معلمه صلى الله عليه وسلم أن يزيده علمًا وأدبًا مع ربه، ويزيده هو والمسلمين من ورائه بصيرة بفقه الأسباب الظاهرة والخفية، وأن هناك أسبابًا خفية أنجع وأشد وإن لم تشاهدها أنظار الناس بل وقد تكون هي السبب الحقيقي، ورب ألف سبب لا خير فيه، ورب سعي بغير بركة ولا ثمرة، ورب جهد جهيد يصير هباءً منثورًا {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} [المدثر من الآية:31]. مقتبس.
رؤيا خير إن شاء الله