السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاسباب الحقيقة للأزمة المالية العالمية
( امبراطورية جزر النجاة المتحدة )
الاسباب الحقيقة للأزمة المالية العالمية
( امبراطورية جزر النجاة المتحدة )
المقدمة :
اقلعت الطائرة بي في رحلة حول العالم تمر فوق المحيط الهادي, و الى جانبي كان هناك راكبان احدهما محاسب
والآخر رجل ثري وأنا عاطل عن العمل و مصدر رزقي الوحيد هو النصب و الأحتيال.
وفجاة بدأت الطائرة تترنح وتتجه للسقوط في المحيط و قلنا أنا لله وأنا اليه راجعون، سقطت الطائرة ونجونا نحن الثلاثة و بتنا نطوف في عرض المحيط تتقاذفنا أمواجه حتى أرهقتنا و نحن ممسكون بما تبقى لدينا من قوة بباب التواليت الذي كان يعوم و يعطينا فرصة للنجاة، وبعد فترة وجدنا الأمل في جزيرة صغيرة نائية واتجهنا اليها بما تبقى لدينا من قوة نجدف باتجاهها حتى وصلنا الى الشاطئ.
قبل أن اكمل القصة أسمحوا لي بأن أشرح لكم الآن الأسباب الحقيقية لحدوث الأزمة المالية العالمية
وتفشيها و تداعياتها في العالم, بطريقة بسيطة و سهلة للفهم والاستيعاب بعيدا عن المصطلحات اللأقتصادية
والنظريات المالية المستعصية. وكل ما عليكم فعله هو مساعدتي في ذلك بأن تتخيلوا أنفسكم احد ابطال القصة التي سأرويها لكم .
مصطلحات و مفاهيم :
علينا أولا أن نعي تماما بأنه لا علاقة للنفط والغاز والمعادن و باقي الثروات الطبيعية و الصناعات بالموضوع
والأزمة المالية مرتبطة بأمر واحد فقط
وهو: النقد العالمي الغير مؤمن بالذهب (اي الدولار)
و يجب هنا أن نوضح لماذا و ما هو هذا المصطلح؟ و بعودة بسيطة للوراء سنجد ان النقود الورقية حديثة العهد بالنسبة لنظامنا الاقتصادي العالمي المعاصر, واذا عدنا قرناً الى الوراء في آلة الزمن لوجدنا أن النقد المتداول عالميا سابقا كان الذهب, أو بالأحرى النقود الذهبية حيث انها كانت تلبي كل حاجات البشرية في تبادل السلع نظرا لاستخدامها كوسيلة لتحديد القيمة, كوسيلة للتبادل ووسيلة للأدخار ايضا.
فماذا حصل للذهب و لماذا لم نعد نستعمله للتبادل التجاري؟ الجواب بسيط لأن الذهب قيمته تكمن فيه (في ماهيته)
ونظراً لذلك فعندما تحمل معك ذهبك و انت ذاهب للتجارة الى الصين مثلا, فأنت تخاطر بأن تسرق منك أولا وثانيا الذهب ثقيل للحمل في حالة التبادل التجاري الضخم.
فكيف نتلافى سلبيات التداول بالذهب و نقله و السفر به؟ الحل, بأن لا نحمل الذهب معنا و نحن ذاهبون للتجارة. فكيف سندفع قيمة المشتريات اذا؟ علينا ان نؤكد للمشتري وجود النقود لدينا, اي علينا ان نقنع المشتري بأن هناك ما يكفل له تحصيل ثمن البضاعة التي يبيعها مقابل النقود الذهبية, و هكذا ظهرت الحوالات.
ففتح بعض التجار مكتبا في بلد المشتري و مكتبا في بلد البائع, يقوم المشتري بتسليم الوسيط النقود الذهبية التي بحوزته فيعطيه مكتب الوسيط في بلده ورقة اسمية عليها ختم يذهب بها الى بلد البائع الذي يراها و يثق بها, فيبيع بضاعته للمشتري و يذهب بعدها الى مكتب الوسيط في بلده فيعطيه الوسيط قيمة الورقة نقدا ذهبيا. أي اننا اخترعنا طريقة لنقل الذهب و تبادله من شخص الى اخر دون نقله بالمعنى الحرفي للكلمة.
و لكن علينا أن نلاحظ ان الورقة المالية (الحوالة) بحد ذاتها لا قيمة لها ما يضفي عليها القيمة هو الثقة بين البائع والمشتري وثقة البائع ان المبلغ المكتوب في الورقة موجود فعليا كنقد ذهبي عند مصدر الورقة, ويستطيع استلامه عند الطلب. أي ان الورقة مؤمنة بالذهب يضمان وهو حسن سمعة الوسيط.
وبكلمة واحدة الثقة هي الأساس في التعاملات المبنية على الحوالات.
الدولار و بقالية النظام الاحتياطي الفدرالي :
و قد يتساءل البعض و هل الدولار العالمي مؤمن بالذهب بنفس الطريقة ؟
والجواب: كان الدولار مؤمنا بالذهب سابقا. لكن الحكومة الامريكية ألغت غطاء الذهب (التأمين بالذهب) وسبقتها الى ذلك بريطانيا فأصبح الدولار الورقي عملة عالمية غير مؤمنة بالذهب و قيمتها النقدية قابلة للزيادة والنقصان حسب تداعيات سوق الذهب.
بالتالي هذا يعني انه في ظل هذا النظام الجديد للتداول, اصبح الذهب سلعة, و لم يعد وسيلة للتبادل وتحديد القيمة ووسيلة للأدخار, فاقدا بذلك كل خصائصه النقدية ليتحول الى سلعة فقط لا غير.
اي ان النظام المالي الجديد يقوم على الدولار الامريكي الورقي, كأساس للقيمة, مع العلم ان الورقة بحد ذاتها
(من فئة 100 دولار مثلا, قيمتها الفعلية هي قيمة طباعتها أي حوالي 10 سنت للورقة)
و قد يتساءل احدكم و ما المشكلة اذا كانت الحكومة الأمريكية تضمن تلك القيمة كالوسيط الذي كان يقوم بهذا الدور سابقا. والدولة الأمريكية, كما هو معروف لها أرض و أملاك و ميزانية أي انها تستطيع الوفاء بالوعود و لديها ما يؤمن قيمة عملتها من ممتلكات.
ولكن الجواب مخيف بل كارثي: وهو أن الحكومة الأمريكية ليست هي من يطبعها, أي ليست هي من يضمن قيمتها الشرائية, أي ليست هي الوسيط. فمن يطبعها اذا و من هو الوسيط, و من يضمن لمن يتداول الدولار ان قيمته مضمونة؟ و الجواب كارثي أيضا: و هو ان من يطبع تلك العملات هو مؤسسة خاصة لا علاقة لها بالحكومة الأمريكية لا من قريب و لا من بعيد.
و اسم هذه المؤسسة هو (النظام الأحتياطي الفدرالي) التي تتكون من أربع مؤسسات مصرفية اتحدت لهذا الغرض في بدايات القرن الماضي. و هذه البنوك مملوكة لأصحابها من ممثلي العائلات الثرية في أمريكا و هم آل روتشيلد, آل روكفيللر, آل مورغان, آل فاربورج. و قد تأسست هذه الشركة فعليا عام 1913 بنتيجة تبني اللوبي المالي في الكونجرس قانونا يحمل رقم 252 يقضي بأنشاء مؤسسة تقوم بوظائف البنك المركزي نيابة عن الدولة و الهدف كان ساميا كالعادة, تحرير الأقتصاد و التجارة من سطوة الدولة.
أي ان الوسيط الذي اخذ من الدولة التي لها وزن و أرض و املاك و ميزانية, حق طباعة العملة الورقية, هذا الوسيط هو من يضمن اليوم للعالم قيمة العملة التي يطبعها. و بماذا يضمنها؟ بالقانون؟ لا لأن القانون يحدد مسؤولية هذه المؤسسة المساهمة المحدودة أمام العالم بحجم رأسمالها (و ليس رأسمال مؤسسيها كما يقضي القانون الامريكي)
فهل يضمنها هذا الوسيط بالأملاك؟
الجواب: لا لأنه (النظام الحتياطي الفدرالي) لا يملك الا المبنى الذي يطبع فيه تلك الأوراق, و مكنات الطباعة, و ربما الورق و الحبر. فما هو الضمان اذا؟ و الجواب غريب ايضا: الضمان هو النمو الأقتصادي. لأنه و حسب ما يسوقونه للعالم كلما زادت الكتلة النقدية و عمليات البيع و الشراء, كلما زادت قوة الدولار ووزنه, و كلما اصبح مضمونا أكثر.
واسمحوا لي ان أطلب منكم ان تتذكروا هذه الفكرة الهامة (النمو الأقتصادي هوالضامن الوحيد لقيمة الدولار) لأننا سنعود اليها لاحقا.
كيف تستدين امريكا دولاراتها من بقالية النظام الاحتياطي الفدرالي :
كل هذا نستطيع ان نجتره و نقول لا بأس, هذه خصوصياتهم. و لكن المذهل هو أن الدولة الامريكية كما هو معلوم تحتاج الى الدولارات لضخها في اقتصادها و الأقتصاد العالمي ككل, فكيف تحصل عليها اذا لم تكن هي من يقوم بطباعتها؟
والجواب مذهل أيضا: الحكومة الأمريكية تحصل على تلك النقود سنويا بحجم الأصدار الذي تريده, عن طريق اقتراضها من هذه المؤسسة الخاصة المملوكة من قبل حيتان المال الأمريكي, بناء على عقد قرضي, نعم لا تستغربوا،الحكومة الأمريكية ممثلة بالبنك المركزي الأمريكي تقترض من النظام الأحتياطي الفدرالي كل عام السيولة المالية المطلوبة لها
وللعالم اجمع, بسعر فائدة سنوي يحدده النظام الأحتياطي الفدرالي باتفاق مع الحكومة الأمريكية.
تماما كما يقترض احد منكم نقودا من المصرف ليعيدها مع فوائدها بعد عام. و أذا استعصت تلك العبارة على الفهم اعيدها لكم, الحكومة الأمريكية تقترض الدولارات التي تنشرها في العالم, تقترضها من شركة خاصة, و بصريح العبارة نستطيع القول أن العالم كله يقترض من النظام الأحتياطي الفدرالي الأمريكي, دولاراته التي يستخدمها للتجارة البينية.
والمضحك المبكي هو ان العالم يقترض اليوم مئة دولار مثلا من النظام الأحتياطي الفدرالي الامريكي و يتعهد بردها بعد عام 102 دولارا. فهل لكم يا عقول الاقتصاد العالمي ان تشرحوا لي كيف ارد 102 دولارا بعد عام و ليس لدي امكانية لخلق الدولارين الأضافيين, لأنكم انتم من يتحكم بطباعتهما, اي انه علي ان ارد لكم دولارين بعد عام غير موجودين فعليا في الطبيعة. فكيف أفعل ذلك؟ الجواب لا توجد طريقة لذلك و هذا هو مربط الفرس.
أي ان هذه التجارة خاسرة سلفا.
أين المشكلة في كل ذلك؟ المشكلة بسيطة للغاية وهي كالتالي :
اذا كنت مواطنا سنغاليا و اشتريت مئة دولار, فأنت لا تشتري مئة دولار, بل تشتري 98 دولارا, لأن الحكومة الأمريكية التي صدرت تلك العملة باسمها تدفع مقابل اصدارها للنظام الأحتياطي الفدرالي اللأمريكي نسبة فائدة سنوية تقدر بهذا القدر. أي انك ما ان استبدلت عملتك المحلية بالدولار لتشتريه فأنت تشتريه و تشتري معه واجب تسديد قيمة فائدة اصداره السنوية. و طالما أنه لا توجد طريقة لخلق الدولارين الضافيين من العدم, فهذا يعني انك اشتريت جزءا من التضخم الامريكي و ريحت الدولة الامريكية من دفع هذه النسبة.
و اكثر من هذا فأنت أذا احتفظت به لعامين فأنت تدفع قيمة فائدة اصداره للعام الثاني ايضا. أي ان الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الطريقة تصدر تضخم عملتها الداخلي للعالم, اي للخارج. و باختصار فأنت بشرائك للدولار تشتري معه نسبة الفائدة و تنقلهما الى بلدك, شفقة منك على دافعي الضرائب الامريكان.
الدولار عملة عالمية رغما عن انوفكم :
لكن قد يتساءل القارئ: انه طالما نحن نزعم أن الدولار غير مؤمن بالذهب, و انه لا ضامن فعلي له, فكيف يضمن الامريكان شعبية الدولار كوسيلة نقدية للتبادل التجاري الدولي, و كيف لم ينهار هذا النظام بالرغم من كل عيوبه؟
والجواب يتألف من شطرين, و دعونا نلقي الضوء عليهما.
الشطر الأول:
اذا ارادت الولايات المتحدة ان تجعل الدولار يستمر في كونه العملة العالمية الأولى عليها أن تجعل من الدول التي تحصل عليه منها كثمن لبيع منتجاتها الصناعية او مواردها الطبيعية في الأسواق العالمية بكميات كبيرة, ان تجعل هذه الدول تابعة لها أما بالمعنى الحرفي للكلمة: كدول العالم الثالث المصدرة للنفط أو بشكل غير مباشر: كدول العالم الأول الصناعية. و الشكل الغير مباشر للتبعية يتم عن طريق استرداد الدولارات الامريكية المنتشرة في العالم الى بلد المنشأ: اي الى الولايات المتحدة الأمريكية, و لكن على شكل قروض لمصلحة الخزينة الأمريكية طويلة الأمد.
أي أن الولايات المتحدة تسحب الفائض التجاري في الاقتصاد العالمي على شكل دولارات ورقية حصلت عليها دول العالم الاخرى كثمن لبيع منتجاتها كي تستبدله بأوراق مالية اخرى (سندات الخزينة), تصدرها هي من جديد و تقلل بذلك كمية السيولة المالية العالمية.
واذا فكرنا مليا فلا نحتاج الى خيال واسع كي ندرك سبب الانتشار العسكري الامريكي في الدول المصدرة للنفط
والثروات الباطنية. السبب هو القوة العسكرية للدولة الأمريكية التي لا تسمح لأي احد بالخروج عن طاعتها المالية حتى نظريا.
ولكن اذا عدنا الى البداية, و لماذا كل هذا, لماذا كل هذه الجيوش؟ لماذا الأستدانة من العالم و الولايات المتحدة قادرة على طباعة ما ينقصها من دولارات و السيطرة على العالم اقتصاديا؟ فهي تحصل على الدولار ببلاش, و تطبعه بالمجان دون اي قيود, و الجميع يشتريه و يتعامل به؟
والأجابة هو أن السيطرة ضرورية كي لا تأتي دولة مثل السعودية او اليابان أو الصين او روسيا (الدول التي تملك دخلا هائلا بالدولار جراء صادراتها الضخمة, الى الأسواق العالمية, كي لا تأتي هذه الدول و تبدأ بشراء اصول لها في داخل الولايات المتحدة الأمريكية, متسببة بأعادة استيراد التضخم الذي صدرته الولايات المتحدة بصعوبة الى الخارج مع الكتلة المالية المصدرة سابقا. و لهذا السبب يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة متكاملة من القوانين التي تمنع الأستثمارات الأجنبية على اراضيها.
مع انها تطالب العالم اجمع بتسهيل الأستثمار وتدفق رؤوس الأموال, و لكن مع الأشارة هو أن الحرية تلك تخص رأس المال الأمريكي فقط لا غير. أما عندما يتعلق الأمر بالأستثمار داخل اراضي الولايات المتحدة فالقيود القانونية تجعل الأمر مستحيلا بالنسبة للأستثمارات الكبيرة.
والشطر الثاني :
وهو الأهم وهو النمو الأقتصادي أو بالأحرى افتعال النمو الأقتصادي العالمي, واسمحوا لي ان اذكركم بأنني سبق و أن طلبت أن تنتبهوا الى فكرة أن الضامن الوحيد للدولار الأمريكي هو النمو الأقتصادي.
ولكن ما علاقة النمو الأقتصادي بضمان القوة الشرائية للدولار؟ و قد تتساءلون ما العيب في ذلك؟ فاجيب لو كان نموا بالمعنى المتعارف عليه لكنا قبلنا بالأمر الواقع الا ان النمو المقصود هو النمو المفتعل أي النمو الذي لا ينتج من زيادة فعلية تراكمية متزايدة في الناتج الأقتصادي الذي عليه ان يكون أكبر من النمو في عدد السكان حتى يكون ملموسا.
النمو الأقتصادي في الأقتصاد العالمي التي تقوده الولايات المتحدة سببه ليست الزيادة في كمية السلع والخدمات التي ينتجها الأقتصاد. مع ملاحظة ان هذه السلع يجب أن يتم إنتاجها باستخدام عناصر الإنتاج الرئيسية، وهي الأرض والعمل ورأس المال والتنظيم بل ان هذا النمو في موديل الاقتصاد المفتعل ينشأ بفعل زيادة القيمة الشرائية لأسهم الشركات المساهمة و شركات التامين و البنوك. بشكل أساسي, و ليس له اي علاقة بوسائل الأنتاج.
ولن نخوض في معنى هذا الكلام, اذ يكفي أن نقول أن هذا النمو نمو اعتباطي لا علاقة له بالنمو الأقتصادي الصحي.
أذا صح ان نسميه نموا بالأساس. و سنرى معنى هذا النمو في القصة التي سنعود اليها الآن.
يتبع ....
والآخر رجل ثري وأنا عاطل عن العمل و مصدر رزقي الوحيد هو النصب و الأحتيال.
وفجاة بدأت الطائرة تترنح وتتجه للسقوط في المحيط و قلنا أنا لله وأنا اليه راجعون، سقطت الطائرة ونجونا نحن الثلاثة و بتنا نطوف في عرض المحيط تتقاذفنا أمواجه حتى أرهقتنا و نحن ممسكون بما تبقى لدينا من قوة بباب التواليت الذي كان يعوم و يعطينا فرصة للنجاة، وبعد فترة وجدنا الأمل في جزيرة صغيرة نائية واتجهنا اليها بما تبقى لدينا من قوة نجدف باتجاهها حتى وصلنا الى الشاطئ.
قبل أن اكمل القصة أسمحوا لي بأن أشرح لكم الآن الأسباب الحقيقية لحدوث الأزمة المالية العالمية
وتفشيها و تداعياتها في العالم, بطريقة بسيطة و سهلة للفهم والاستيعاب بعيدا عن المصطلحات اللأقتصادية
والنظريات المالية المستعصية. وكل ما عليكم فعله هو مساعدتي في ذلك بأن تتخيلوا أنفسكم احد ابطال القصة التي سأرويها لكم .
مصطلحات و مفاهيم :
علينا أولا أن نعي تماما بأنه لا علاقة للنفط والغاز والمعادن و باقي الثروات الطبيعية و الصناعات بالموضوع
والأزمة المالية مرتبطة بأمر واحد فقط
وهو: النقد العالمي الغير مؤمن بالذهب (اي الدولار)
و يجب هنا أن نوضح لماذا و ما هو هذا المصطلح؟ و بعودة بسيطة للوراء سنجد ان النقود الورقية حديثة العهد بالنسبة لنظامنا الاقتصادي العالمي المعاصر, واذا عدنا قرناً الى الوراء في آلة الزمن لوجدنا أن النقد المتداول عالميا سابقا كان الذهب, أو بالأحرى النقود الذهبية حيث انها كانت تلبي كل حاجات البشرية في تبادل السلع نظرا لاستخدامها كوسيلة لتحديد القيمة, كوسيلة للتبادل ووسيلة للأدخار ايضا.
فماذا حصل للذهب و لماذا لم نعد نستعمله للتبادل التجاري؟ الجواب بسيط لأن الذهب قيمته تكمن فيه (في ماهيته)
ونظراً لذلك فعندما تحمل معك ذهبك و انت ذاهب للتجارة الى الصين مثلا, فأنت تخاطر بأن تسرق منك أولا وثانيا الذهب ثقيل للحمل في حالة التبادل التجاري الضخم.
فكيف نتلافى سلبيات التداول بالذهب و نقله و السفر به؟ الحل, بأن لا نحمل الذهب معنا و نحن ذاهبون للتجارة. فكيف سندفع قيمة المشتريات اذا؟ علينا ان نؤكد للمشتري وجود النقود لدينا, اي علينا ان نقنع المشتري بأن هناك ما يكفل له تحصيل ثمن البضاعة التي يبيعها مقابل النقود الذهبية, و هكذا ظهرت الحوالات.
ففتح بعض التجار مكتبا في بلد المشتري و مكتبا في بلد البائع, يقوم المشتري بتسليم الوسيط النقود الذهبية التي بحوزته فيعطيه مكتب الوسيط في بلده ورقة اسمية عليها ختم يذهب بها الى بلد البائع الذي يراها و يثق بها, فيبيع بضاعته للمشتري و يذهب بعدها الى مكتب الوسيط في بلده فيعطيه الوسيط قيمة الورقة نقدا ذهبيا. أي اننا اخترعنا طريقة لنقل الذهب و تبادله من شخص الى اخر دون نقله بالمعنى الحرفي للكلمة.
و لكن علينا أن نلاحظ ان الورقة المالية (الحوالة) بحد ذاتها لا قيمة لها ما يضفي عليها القيمة هو الثقة بين البائع والمشتري وثقة البائع ان المبلغ المكتوب في الورقة موجود فعليا كنقد ذهبي عند مصدر الورقة, ويستطيع استلامه عند الطلب. أي ان الورقة مؤمنة بالذهب يضمان وهو حسن سمعة الوسيط.
وبكلمة واحدة الثقة هي الأساس في التعاملات المبنية على الحوالات.
الدولار و بقالية النظام الاحتياطي الفدرالي :
و قد يتساءل البعض و هل الدولار العالمي مؤمن بالذهب بنفس الطريقة ؟
والجواب: كان الدولار مؤمنا بالذهب سابقا. لكن الحكومة الامريكية ألغت غطاء الذهب (التأمين بالذهب) وسبقتها الى ذلك بريطانيا فأصبح الدولار الورقي عملة عالمية غير مؤمنة بالذهب و قيمتها النقدية قابلة للزيادة والنقصان حسب تداعيات سوق الذهب.
بالتالي هذا يعني انه في ظل هذا النظام الجديد للتداول, اصبح الذهب سلعة, و لم يعد وسيلة للتبادل وتحديد القيمة ووسيلة للأدخار, فاقدا بذلك كل خصائصه النقدية ليتحول الى سلعة فقط لا غير.
اي ان النظام المالي الجديد يقوم على الدولار الامريكي الورقي, كأساس للقيمة, مع العلم ان الورقة بحد ذاتها
(من فئة 100 دولار مثلا, قيمتها الفعلية هي قيمة طباعتها أي حوالي 10 سنت للورقة)
و قد يتساءل احدكم و ما المشكلة اذا كانت الحكومة الأمريكية تضمن تلك القيمة كالوسيط الذي كان يقوم بهذا الدور سابقا. والدولة الأمريكية, كما هو معروف لها أرض و أملاك و ميزانية أي انها تستطيع الوفاء بالوعود و لديها ما يؤمن قيمة عملتها من ممتلكات.
ولكن الجواب مخيف بل كارثي: وهو أن الحكومة الأمريكية ليست هي من يطبعها, أي ليست هي من يضمن قيمتها الشرائية, أي ليست هي الوسيط. فمن يطبعها اذا و من هو الوسيط, و من يضمن لمن يتداول الدولار ان قيمته مضمونة؟ و الجواب كارثي أيضا: و هو ان من يطبع تلك العملات هو مؤسسة خاصة لا علاقة لها بالحكومة الأمريكية لا من قريب و لا من بعيد.
و اسم هذه المؤسسة هو (النظام الأحتياطي الفدرالي) التي تتكون من أربع مؤسسات مصرفية اتحدت لهذا الغرض في بدايات القرن الماضي. و هذه البنوك مملوكة لأصحابها من ممثلي العائلات الثرية في أمريكا و هم آل روتشيلد, آل روكفيللر, آل مورغان, آل فاربورج. و قد تأسست هذه الشركة فعليا عام 1913 بنتيجة تبني اللوبي المالي في الكونجرس قانونا يحمل رقم 252 يقضي بأنشاء مؤسسة تقوم بوظائف البنك المركزي نيابة عن الدولة و الهدف كان ساميا كالعادة, تحرير الأقتصاد و التجارة من سطوة الدولة.
أي ان الوسيط الذي اخذ من الدولة التي لها وزن و أرض و املاك و ميزانية, حق طباعة العملة الورقية, هذا الوسيط هو من يضمن اليوم للعالم قيمة العملة التي يطبعها. و بماذا يضمنها؟ بالقانون؟ لا لأن القانون يحدد مسؤولية هذه المؤسسة المساهمة المحدودة أمام العالم بحجم رأسمالها (و ليس رأسمال مؤسسيها كما يقضي القانون الامريكي)
فهل يضمنها هذا الوسيط بالأملاك؟
الجواب: لا لأنه (النظام الحتياطي الفدرالي) لا يملك الا المبنى الذي يطبع فيه تلك الأوراق, و مكنات الطباعة, و ربما الورق و الحبر. فما هو الضمان اذا؟ و الجواب غريب ايضا: الضمان هو النمو الأقتصادي. لأنه و حسب ما يسوقونه للعالم كلما زادت الكتلة النقدية و عمليات البيع و الشراء, كلما زادت قوة الدولار ووزنه, و كلما اصبح مضمونا أكثر.
واسمحوا لي ان أطلب منكم ان تتذكروا هذه الفكرة الهامة (النمو الأقتصادي هوالضامن الوحيد لقيمة الدولار) لأننا سنعود اليها لاحقا.
كيف تستدين امريكا دولاراتها من بقالية النظام الاحتياطي الفدرالي :
كل هذا نستطيع ان نجتره و نقول لا بأس, هذه خصوصياتهم. و لكن المذهل هو أن الدولة الامريكية كما هو معلوم تحتاج الى الدولارات لضخها في اقتصادها و الأقتصاد العالمي ككل, فكيف تحصل عليها اذا لم تكن هي من يقوم بطباعتها؟
والجواب مذهل أيضا: الحكومة الأمريكية تحصل على تلك النقود سنويا بحجم الأصدار الذي تريده, عن طريق اقتراضها من هذه المؤسسة الخاصة المملوكة من قبل حيتان المال الأمريكي, بناء على عقد قرضي, نعم لا تستغربوا،الحكومة الأمريكية ممثلة بالبنك المركزي الأمريكي تقترض من النظام الأحتياطي الفدرالي كل عام السيولة المالية المطلوبة لها
وللعالم اجمع, بسعر فائدة سنوي يحدده النظام الأحتياطي الفدرالي باتفاق مع الحكومة الأمريكية.
تماما كما يقترض احد منكم نقودا من المصرف ليعيدها مع فوائدها بعد عام. و أذا استعصت تلك العبارة على الفهم اعيدها لكم, الحكومة الأمريكية تقترض الدولارات التي تنشرها في العالم, تقترضها من شركة خاصة, و بصريح العبارة نستطيع القول أن العالم كله يقترض من النظام الأحتياطي الفدرالي الأمريكي, دولاراته التي يستخدمها للتجارة البينية.
والمضحك المبكي هو ان العالم يقترض اليوم مئة دولار مثلا من النظام الأحتياطي الفدرالي الامريكي و يتعهد بردها بعد عام 102 دولارا. فهل لكم يا عقول الاقتصاد العالمي ان تشرحوا لي كيف ارد 102 دولارا بعد عام و ليس لدي امكانية لخلق الدولارين الأضافيين, لأنكم انتم من يتحكم بطباعتهما, اي انه علي ان ارد لكم دولارين بعد عام غير موجودين فعليا في الطبيعة. فكيف أفعل ذلك؟ الجواب لا توجد طريقة لذلك و هذا هو مربط الفرس.
أي ان هذه التجارة خاسرة سلفا.
أين المشكلة في كل ذلك؟ المشكلة بسيطة للغاية وهي كالتالي :
اذا كنت مواطنا سنغاليا و اشتريت مئة دولار, فأنت لا تشتري مئة دولار, بل تشتري 98 دولارا, لأن الحكومة الأمريكية التي صدرت تلك العملة باسمها تدفع مقابل اصدارها للنظام الأحتياطي الفدرالي اللأمريكي نسبة فائدة سنوية تقدر بهذا القدر. أي انك ما ان استبدلت عملتك المحلية بالدولار لتشتريه فأنت تشتريه و تشتري معه واجب تسديد قيمة فائدة اصداره السنوية. و طالما أنه لا توجد طريقة لخلق الدولارين الضافيين من العدم, فهذا يعني انك اشتريت جزءا من التضخم الامريكي و ريحت الدولة الامريكية من دفع هذه النسبة.
و اكثر من هذا فأنت أذا احتفظت به لعامين فأنت تدفع قيمة فائدة اصداره للعام الثاني ايضا. أي ان الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الطريقة تصدر تضخم عملتها الداخلي للعالم, اي للخارج. و باختصار فأنت بشرائك للدولار تشتري معه نسبة الفائدة و تنقلهما الى بلدك, شفقة منك على دافعي الضرائب الامريكان.
الدولار عملة عالمية رغما عن انوفكم :
لكن قد يتساءل القارئ: انه طالما نحن نزعم أن الدولار غير مؤمن بالذهب, و انه لا ضامن فعلي له, فكيف يضمن الامريكان شعبية الدولار كوسيلة نقدية للتبادل التجاري الدولي, و كيف لم ينهار هذا النظام بالرغم من كل عيوبه؟
والجواب يتألف من شطرين, و دعونا نلقي الضوء عليهما.
الشطر الأول:
اذا ارادت الولايات المتحدة ان تجعل الدولار يستمر في كونه العملة العالمية الأولى عليها أن تجعل من الدول التي تحصل عليه منها كثمن لبيع منتجاتها الصناعية او مواردها الطبيعية في الأسواق العالمية بكميات كبيرة, ان تجعل هذه الدول تابعة لها أما بالمعنى الحرفي للكلمة: كدول العالم الثالث المصدرة للنفط أو بشكل غير مباشر: كدول العالم الأول الصناعية. و الشكل الغير مباشر للتبعية يتم عن طريق استرداد الدولارات الامريكية المنتشرة في العالم الى بلد المنشأ: اي الى الولايات المتحدة الأمريكية, و لكن على شكل قروض لمصلحة الخزينة الأمريكية طويلة الأمد.
أي أن الولايات المتحدة تسحب الفائض التجاري في الاقتصاد العالمي على شكل دولارات ورقية حصلت عليها دول العالم الاخرى كثمن لبيع منتجاتها كي تستبدله بأوراق مالية اخرى (سندات الخزينة), تصدرها هي من جديد و تقلل بذلك كمية السيولة المالية العالمية.
واذا فكرنا مليا فلا نحتاج الى خيال واسع كي ندرك سبب الانتشار العسكري الامريكي في الدول المصدرة للنفط
والثروات الباطنية. السبب هو القوة العسكرية للدولة الأمريكية التي لا تسمح لأي احد بالخروج عن طاعتها المالية حتى نظريا.
ولكن اذا عدنا الى البداية, و لماذا كل هذا, لماذا كل هذه الجيوش؟ لماذا الأستدانة من العالم و الولايات المتحدة قادرة على طباعة ما ينقصها من دولارات و السيطرة على العالم اقتصاديا؟ فهي تحصل على الدولار ببلاش, و تطبعه بالمجان دون اي قيود, و الجميع يشتريه و يتعامل به؟
والأجابة هو أن السيطرة ضرورية كي لا تأتي دولة مثل السعودية او اليابان أو الصين او روسيا (الدول التي تملك دخلا هائلا بالدولار جراء صادراتها الضخمة, الى الأسواق العالمية, كي لا تأتي هذه الدول و تبدأ بشراء اصول لها في داخل الولايات المتحدة الأمريكية, متسببة بأعادة استيراد التضخم الذي صدرته الولايات المتحدة بصعوبة الى الخارج مع الكتلة المالية المصدرة سابقا. و لهذا السبب يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة متكاملة من القوانين التي تمنع الأستثمارات الأجنبية على اراضيها.
مع انها تطالب العالم اجمع بتسهيل الأستثمار وتدفق رؤوس الأموال, و لكن مع الأشارة هو أن الحرية تلك تخص رأس المال الأمريكي فقط لا غير. أما عندما يتعلق الأمر بالأستثمار داخل اراضي الولايات المتحدة فالقيود القانونية تجعل الأمر مستحيلا بالنسبة للأستثمارات الكبيرة.
والشطر الثاني :
وهو الأهم وهو النمو الأقتصادي أو بالأحرى افتعال النمو الأقتصادي العالمي, واسمحوا لي ان اذكركم بأنني سبق و أن طلبت أن تنتبهوا الى فكرة أن الضامن الوحيد للدولار الأمريكي هو النمو الأقتصادي.
ولكن ما علاقة النمو الأقتصادي بضمان القوة الشرائية للدولار؟ و قد تتساءلون ما العيب في ذلك؟ فاجيب لو كان نموا بالمعنى المتعارف عليه لكنا قبلنا بالأمر الواقع الا ان النمو المقصود هو النمو المفتعل أي النمو الذي لا ينتج من زيادة فعلية تراكمية متزايدة في الناتج الأقتصادي الذي عليه ان يكون أكبر من النمو في عدد السكان حتى يكون ملموسا.
النمو الأقتصادي في الأقتصاد العالمي التي تقوده الولايات المتحدة سببه ليست الزيادة في كمية السلع والخدمات التي ينتجها الأقتصاد. مع ملاحظة ان هذه السلع يجب أن يتم إنتاجها باستخدام عناصر الإنتاج الرئيسية، وهي الأرض والعمل ورأس المال والتنظيم بل ان هذا النمو في موديل الاقتصاد المفتعل ينشأ بفعل زيادة القيمة الشرائية لأسهم الشركات المساهمة و شركات التامين و البنوك. بشكل أساسي, و ليس له اي علاقة بوسائل الأنتاج.
ولن نخوض في معنى هذا الكلام, اذ يكفي أن نقول أن هذا النمو نمو اعتباطي لا علاقة له بالنمو الأقتصادي الصحي.
أذا صح ان نسميه نموا بالأساس. و سنرى معنى هذا النمو في القصة التي سنعود اليها الآن.
يتبع ....