السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه
العقيدة لغة : مأخوذة من العقد والجزم ، وشرعاً : هي حكم الذهن الجازم ، فإن طابق الواقع فهي العقيدة الصحيحة
وإن لم يطابقه فهي العقيدة الباطلة .
والعقيدة الصحيحة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام
ويدل على ذلك : قوله تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا )
والعقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام وأساس الملة ، ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل
إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال كما قال تعالى :
{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } سورة المائدة الآية 5
وقد دل كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم ، على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في :
" الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره " ، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز وبعث الله بها رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام ، ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب ، وجميع ما أخبر الله به ورسوله
صلى الله عليه وسلم ، وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرةٌ جداً ، فمن ذلك قول الله سبحانه :
{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَة ِوَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } سورة البقرة الآية 177
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )
الحديث ، وأخرجه الشيخان ، وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه
وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب .
فمن الإيمان بالله سبحانه : الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرهم وعلانيتهم والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم ، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها ، كما قال تعالى :
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } سورة الذاريات 56-58
والتحذير مما يضاده ، كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } سورة النحل 36
وحقيقة هذه العبادة : هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاءٍ وخوفٍ ورجاءٍ وصلاةٍ وصومٍ وذبحٍ ونذرٍ
وغير ذلك من أنواع العبادة على وجه الخضوع له والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته
ومن الإيمان بالله أيضا الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا ، وغير ذلك من الفرائض التي جاء بها الشرع المطهر
ومن الإيمان بالله سبحانه الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة
ورب العالمين جميعا لا خالق غيره ولا رب سواه ، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم
في العاجل والآجل ، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك ، ومن الإيمان بالله أيضا :
الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في كتابه العزيز والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل
ومن أراد الوقوف على كثير من المقالات في ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل :
كتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد ، و(التوحيد) للإمام الجليل محمد ابن خزيمة ، وكتاب (السنة) لأبي القاسم اللالكائي الطبري
وكتاب (السنة) لأبي بكر بن أبي عاصم ، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة ، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمه الله
عقيدة أهل السنة ونقل فيه الكثير من كلامهم
أما الإيمان بالملائكة فيتضمن : الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ووصفهم بأنهم : { عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } سورة الأنبياء 26- 28
وهكذا الإيمان بالكتب : يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه أنزل كتباً على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه كما قال تعالى :
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } سورة الحديد 25
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن ، والقرآن هو أفضلها وخاتمها وهو المهيمن والمصدق لها
وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه وتحكيمه مع ما صحت به السنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأن الله سبحانه بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم وجعله شفاء لما في الصدور
وتبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً للمؤمنين ، كما قال تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } سورة الأنعام 155
وهكذا الرسل : يجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فنؤمن أن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق فمن
أجابهم فاز بالسعادة ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه :
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } سورة الأحزاب الآية 40
وأما الإيمان باليوم الآخر : فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وما يكون يوم
القيامة من الأهوال والشدائد والصراط، والميزان والحساب والجزاء ونشر الصحف بين الناس والإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله
عليه وسلم والإيمان بالجنة والنار ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتكليمه إياهم ، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة
وأما الإيمان بالقدر فيتضمن : الإيمان بأمور أربعة : أولها : أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون وعلم أحوال عباده وعلم أرزاقهم وآجالهم
وأعمالهم وغير ذلك من شئونهم لا يخفى عليه من ذلك شيء كما قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة التوبة 115
والأمر الثاني : كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه كما قال سبحانه : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } سورة ق 4
الأمر الثالث : الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن كما قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } سورة الحج 18
الأمر الرابع : خلقه سبحانه لجميع الموجودات لا خالق غيره ولا رب سواه كما قال سبحانه : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }
فالإيمان بالقدر يشمل الإيمان بهذه الأمور الأربعة عند أهل السنة والجماعة خلافاً لمن أنكر بعض ذلك من أهل البدع
ويدخل في الإيمان بالله : اعتقاد أن الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأنه لا يجوز تكفير أحدٍ من المسلمين بشيءٍ من المعاصي
التي دون الشرك والكفر ، كالزنا والسرقة وأكل الربا وشرب المسكرات وعقوق الوالدين وغيرها من الكبائر ما لم يستحل ذلك
لقول الله سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }
ومن الإيمان بالله : الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله فيحب المؤمن المؤمنين ويواليهم ويبغض الكفار ويعاديهم
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل السنة والجماعة يحبونهم ويوالونهم ويعتقدون أنهم خير الناس
بعد الأنبياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) متفق على صحته
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين به ويتولونهم ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين
ويترضون عنهن جميعا ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويسبونهم ويغلون في أهل البيت
ويرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل كما يتبرءون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .
والعقيدة الصحيحة هي عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه ))
وهي العقيدة التي يجب التمسك بها والاستقامة عليها والحذر مما خالفها .
وأما المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة فمنهم عباد الأصنام والأوثان والأحجار
ولقد غلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلي دين الجاهلية بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم والاستغاثة بهم
وغير ذلك من أنواع الشرك، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله
ولم يزل هذا الشرك يفشو في الناس إلي عصرنا هذا بسبب غلبة الجهل وبُعد العهد بعصر النبوة
وشبهة هؤلاء المتأخرين هي شبهة الأولين ، وهي قولهم : { هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }
وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به وكفر كما قال تعالى :
{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }
فرد الله عليهم سبحانه بقوله : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون }
ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام : ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر
فإن من أصول هؤلاء الملاحدة : أنه لا إله والحياة مادة ، ومن أصولهم إنكار المعاد ، وإنكار الجنة والنار ، والكفر بالأديان كلها
ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده بعض المتصوفة : من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ، ويتصرفون في شئون
العالم ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم وهذا من أقبح الشرك في الربوبية
ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات عقائد أهل البدع : من الجهمية والمعتزلة
ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله
عز وجل وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ووصفه عز وجل بصفة المعدومات والجمادات والمستحيلات تعالى الله عن قولهم علوا كبيراً .
فالعقيدة الصحيحة هي سبيل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة وهي الصراط المستقيم الذي سلكه سلف هذه الأمة وأئمتها
ولن يصلح آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو اتباع الكتاب والسنة وترك ما خالفهما .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه
العقيدة لغة : مأخوذة من العقد والجزم ، وشرعاً : هي حكم الذهن الجازم ، فإن طابق الواقع فهي العقيدة الصحيحة
وإن لم يطابقه فهي العقيدة الباطلة .
والعقيدة الصحيحة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام
ويدل على ذلك : قوله تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا )
والعقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام وأساس الملة ، ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل
إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال كما قال تعالى :
{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } سورة المائدة الآية 5
وقد دل كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم ، على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في :
" الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره " ، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز وبعث الله بها رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام ، ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب ، وجميع ما أخبر الله به ورسوله
صلى الله عليه وسلم ، وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرةٌ جداً ، فمن ذلك قول الله سبحانه :
{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَة ِوَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } سورة البقرة الآية 177
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )
الحديث ، وأخرجه الشيخان ، وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه
وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب .
فمن الإيمان بالله سبحانه : الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرهم وعلانيتهم والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم ، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها ، كما قال تعالى :
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } سورة الذاريات 56-58
والتحذير مما يضاده ، كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } سورة النحل 36
وحقيقة هذه العبادة : هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاءٍ وخوفٍ ورجاءٍ وصلاةٍ وصومٍ وذبحٍ ونذرٍ
وغير ذلك من أنواع العبادة على وجه الخضوع له والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته
ومن الإيمان بالله أيضا الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا ، وغير ذلك من الفرائض التي جاء بها الشرع المطهر
ومن الإيمان بالله سبحانه الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة
ورب العالمين جميعا لا خالق غيره ولا رب سواه ، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم
في العاجل والآجل ، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك ، ومن الإيمان بالله أيضا :
الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في كتابه العزيز والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل
ومن أراد الوقوف على كثير من المقالات في ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل :
كتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد ، و(التوحيد) للإمام الجليل محمد ابن خزيمة ، وكتاب (السنة) لأبي القاسم اللالكائي الطبري
وكتاب (السنة) لأبي بكر بن أبي عاصم ، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة ، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمه الله
عقيدة أهل السنة ونقل فيه الكثير من كلامهم
أما الإيمان بالملائكة فيتضمن : الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ووصفهم بأنهم : { عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } سورة الأنبياء 26- 28
وهكذا الإيمان بالكتب : يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه أنزل كتباً على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه كما قال تعالى :
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } سورة الحديد 25
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن ، والقرآن هو أفضلها وخاتمها وهو المهيمن والمصدق لها
وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه وتحكيمه مع ما صحت به السنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأن الله سبحانه بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم وجعله شفاء لما في الصدور
وتبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً للمؤمنين ، كما قال تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } سورة الأنعام 155
وهكذا الرسل : يجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فنؤمن أن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق فمن
أجابهم فاز بالسعادة ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه :
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } سورة الأحزاب الآية 40
وأما الإيمان باليوم الآخر : فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وما يكون يوم
القيامة من الأهوال والشدائد والصراط، والميزان والحساب والجزاء ونشر الصحف بين الناس والإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله
عليه وسلم والإيمان بالجنة والنار ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتكليمه إياهم ، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة
وأما الإيمان بالقدر فيتضمن : الإيمان بأمور أربعة : أولها : أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون وعلم أحوال عباده وعلم أرزاقهم وآجالهم
وأعمالهم وغير ذلك من شئونهم لا يخفى عليه من ذلك شيء كما قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة التوبة 115
والأمر الثاني : كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه كما قال سبحانه : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } سورة ق 4
الأمر الثالث : الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن كما قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } سورة الحج 18
الأمر الرابع : خلقه سبحانه لجميع الموجودات لا خالق غيره ولا رب سواه كما قال سبحانه : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }
فالإيمان بالقدر يشمل الإيمان بهذه الأمور الأربعة عند أهل السنة والجماعة خلافاً لمن أنكر بعض ذلك من أهل البدع
ويدخل في الإيمان بالله : اعتقاد أن الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأنه لا يجوز تكفير أحدٍ من المسلمين بشيءٍ من المعاصي
التي دون الشرك والكفر ، كالزنا والسرقة وأكل الربا وشرب المسكرات وعقوق الوالدين وغيرها من الكبائر ما لم يستحل ذلك
لقول الله سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }
ومن الإيمان بالله : الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله فيحب المؤمن المؤمنين ويواليهم ويبغض الكفار ويعاديهم
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل السنة والجماعة يحبونهم ويوالونهم ويعتقدون أنهم خير الناس
بعد الأنبياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) متفق على صحته
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين به ويتولونهم ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين
ويترضون عنهن جميعا ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويسبونهم ويغلون في أهل البيت
ويرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل كما يتبرءون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .
والعقيدة الصحيحة هي عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه ))
وهي العقيدة التي يجب التمسك بها والاستقامة عليها والحذر مما خالفها .
وأما المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة فمنهم عباد الأصنام والأوثان والأحجار
ولقد غلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلي دين الجاهلية بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم والاستغاثة بهم
وغير ذلك من أنواع الشرك، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله
ولم يزل هذا الشرك يفشو في الناس إلي عصرنا هذا بسبب غلبة الجهل وبُعد العهد بعصر النبوة
وشبهة هؤلاء المتأخرين هي شبهة الأولين ، وهي قولهم : { هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }
وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به وكفر كما قال تعالى :
{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }
فرد الله عليهم سبحانه بقوله : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون }
ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام : ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر
فإن من أصول هؤلاء الملاحدة : أنه لا إله والحياة مادة ، ومن أصولهم إنكار المعاد ، وإنكار الجنة والنار ، والكفر بالأديان كلها
ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده بعض المتصوفة : من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ، ويتصرفون في شئون
العالم ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم وهذا من أقبح الشرك في الربوبية
ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات عقائد أهل البدع : من الجهمية والمعتزلة
ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله
عز وجل وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ووصفه عز وجل بصفة المعدومات والجمادات والمستحيلات تعالى الله عن قولهم علوا كبيراً .
فالعقيدة الصحيحة هي سبيل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة وهي الصراط المستقيم الذي سلكه سلف هذه الأمة وأئمتها
ولن يصلح آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو اتباع الكتاب والسنة وترك ما خالفهما .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .