- إنضم
- 15 مارس 2015
- المشاركات
- 336
- التفاعل
- 742
- النقاط
- 102
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل اللهم على نبينا محمد واله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا
وللنفوس حديث لا تسمعه إلا في دعاء الصادقين ..
فأسأل الله العلي العظيم .. ⛈
القادر على كل عظيم أن ..
يهبكم كل ما تتمنون ..
ويرزقك من حيث لا تحتسبون ..
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قال تعالى
(إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا) (5)
... مريم
....... تفسير القر طبي
قال تعالى
(إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا)(3)
قوله تعالى
( إذ نادى ربه نداء خفيا)
مثل قوله (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين )
وقد تقدم . والنداء الدعاء والرغبة ؛ أي ناجى ربه بذلك في محرابه .
دليله قوله
(فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب)
فبين أنه استجاب له في صلاته ، كما نادى في الصلاة .
واختلف في إخفائه هذا النداء ؛
فقيل : أخفاه من قومه لئلا يلام على مسألة الولد عند كبر السن ؛ ولأنه أمر دنيوي ، فإن أجيب فيه نال بغيته ، وإن لم يجب لم يعرف بذلك أحد .
وقيل : مخلصا فيه لم يطلع عليه إلا الله تعالى .
وقيل : لما كانت الأعمال الخفية أفضل وأبعد من الرياء أخفاه .
وقيل : خفيا سرا من قومه في جوف الليل ؛ والكل محتمل والأول أظهر ؛ والله أعلم .
وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء في سورة ( الأعراف ) وهذه الآية نص في ذلك ؛
لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا .
وروى إسماعيل قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن ، وهو ابن أبي كبشة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي ☀ صلى الله عليه وسلم –
قال : "إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" وهذا عام .
قال تعالى
(قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (4)
قوله تعالى
(قال رب إني وهن العظم مني)
فيه مسألتان : الأولى :1⃣
قوله تعالى ( قال رب إني وهن) قرئ وهن بالحركات الثلاث أي ضعف .
يقال : وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن .
وقال أبو زيد يقال : وهن يهن ووهن يوهن .
وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن ، وبه قوامه ، وهو أصل بنائه ، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ؛ ولأنه أشد ما فيه وأصلبه ؛ فإذا وهن كان ما وراءه أوهن منه .
ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية ، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام ، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ، ولو جمع لكان قصد إلى معنى آخر ، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها .
الثانية 2⃣ قوله تعالى
(واشتعل الرأس شيبا )
أدغم السين في الشين أبو عمرو . وهذا من أحسن الاستعارة في كلام العرب .
والاشتعال انتشار شعاع النار شبه به انتشار الشيب في الرأس ؛ يقول :
شخت وضعفت ؛ وأضاف الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس .
ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا عليه السلام - .
و شيبا في نصبه وجهان 1⃣ أحدهما : أنه مصدر ؛ لأن معنى اشتعل شاب ؛ وهذا قول الأخفش .
2⃣ وقال الزجاج : وهو منصوب على التمييز .
▪ النحاس : قول الأخفش أولى ؛ لأنه مشتق من فعل فالمصدر أولى به .
والشيب مخالطة الشعر الأبيض الأسود .
قال العلماء : يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نعم الله تعالى عليه وما يليق بالخضوع ؛ لأن قوله تعالى
(وهن العظم مني) إظهار للخضوع .
وقوله
(ولم أكن بدعائك رب شقيا)
إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته ؛ أي لم أكن بدعائي إياك شقيا ؛ أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك ؛ أي إنك عودتني الإجابة فيما مضى .
يقال : شقي بكذا أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده .
وعن بعضهم أن محتاجا سأله ،
▪ وقال : أنا الذي أحسنت إليه في وقت كذا ؛
▪فقال : مرحبا بمن توسل بنا إلينا ؛ وقضى حاجته .
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا) (5)
قوله تعالى
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة ، فأشفق أن يرثه غير الولد .
وقالت طائفة : إنما كان مواليه مهملين للدين ، فخاف بموته أن يضيع الدين ، فطلب وليا يقوم بالدين بعده ؛ حكى هذا القول الزجاج ، وعليه فلم يسل من يرث ماله ؛ لأن الأنبياء لا تورث .
وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية ، وأنه - عليه الصلاة والسلام - أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال ؛ لما ثبت عن النبي ☀ صلى الله عليه وسلم –
أنه قال : "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة" وفي كتاب أبي داود :" إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما" ورثوا العلم .
وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله ( يرثني)
هذا الحديث يدخل في التفسير المسند ؛ لقوله تعالى
(وورث سليمان داود)
وعبارة عن قول زكريا : فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب وتخصيص للعموم في ذلك ، وأن سليمان لم يرث من داود مالا خلفه داود بعده ؛ وإنما ورث منه الحكمة والعلم ، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب ؛ هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض ،
قوله تعالى (وكانت امرأتي عاقرا)
امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل ، وهي أخت حنة بنت فاقوذا ؛ قاله الطبري .
وحنة هي أم مريم حسب ما تقدم في ( آل عمران ) بيانه .
وقال القتبي : امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران ، فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى - عليهما السلام - على الحقيقة .
وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه .
وفي حديث الإسراء قال ☀ عليه الصلاة والسلام - :
"فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى" شاهدا للقول الأول . والله أعلم .
(والعاقر)
التي لا تلد لكبر سنها ؛ وقد مضى بيانه في ( آل عمران ) .
والعاقر من النساء أيضا التي لا تلد من غير كبر .
ومنه قوله تعالى
( ويجعل من يشاء عقيما )
وكذلك العاقر من الرجال ؛ ومنه قول عامر بن الطفيل
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما عذري لدى كل محضر
قوله تعالى ( فهب لي من لدنك وليا )
سؤال ودعاء . ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة .
قال قتادة : جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة .
مقاتل : خمس وتسعين سنة ؛ وهو أشبه ؛ فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره ؛
ولذلك قال
( وقد بلغت من الكبر عتيا )
وقالت طائفة : بل طلب الولد ، ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه ، تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يخترم ، ولا يتحصل منه الغرض .
قال العلماء : دعاء زكريا عليه السلام –
في الولد إنما كان لإظهار دينه ، وإحياء نبوته ، ومضاعفة لأجره لا للدنيا ، وكان ربه قد عوده الإجابة ، ولذلك قال
( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) أي بدعائي إياك .
وهذه وسيلة حسنة ؛ أن يتشفع إليه بنعمه ، يستدر فضله بفضله ؛ يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله
فقال له حاتم : من أنت
▪ قال : أنا الذي أحسنت إليه عام أول
فقال : مرحبا بمن تشفع إلينا بنا .
فإن قيل : كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن
فالجواب أن ذلك جائز في زمان الأنبياء وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى ؛ فإنه تعالى قال
(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )
فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته ؛ فقال تعالى
(هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة )الآية .
إن قال قائل : هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد ، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد ، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك ؛ فقال
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة )
وقال ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )
فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدم في ( آل عمران ) بيانه .
ثم إن زكريا عليه السلام - تحرز فقال : ذرية طيبة
وقال : واجعله رب رضيا . والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة ، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة .
وقد دعا النبي ☀ صلى الله عليه وسلم - لأنس خادمه فقال :
"اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته "
فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة .
وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده ، ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - والفضلاء ؛ وقد تقدم في ( آل عمران ) بيانه .
من القلب الى القلب ...
يا رب ..
يا من له الآيات تشهد ..
والنجم والشجر يسجد ..
اقبل منهم كل عمل ..
وتجاوز عنهم كل زلل ..
جملكم الله برقة النسائم ..
وطيب ذكركم بطيب المسك ..
وثبت همتكم بثبات الجبال الراسيات ..
وأسكن انفسكم حياة دائمة الاشراق ..
ورسم على محياكم بسمة صادقة ..
وسقى اروحكم إيمانا متصل الوثاق ..
وغفر الله لنا ولكم ولوالديك ..⛈
وللمؤمنين .. والمؤمنات
الاحياء .. والاموات ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد☀
واخر دعوانا ان الحمد لله ..
✍....... شريف العطيات