وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي المحب أولاَ : ألفاظ اللغة العربية كثير ما تدل عند انفرادها على مرادفة ما شابهها وقاربها في المعنى ولو لم يطابق اللفظ اللفظ عند الاجتماع فتقول فلان مسلم لا تستطيع أن تقول أني أقصد أنه غير مؤمن والعكس لكن إذا اجتمعا يأتي التفريق والتدقيق كما قال الله ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) وفي السنة ( إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما ) فإذا افترقت هذه الالفاظ ونحوها اجتمعت في المعنى وإذا اجتمعت افترقت
ثانياً: غلبت الأهواء في زمانناً من أعظم أسباب توسعة نطاق اسم المهدي حتى نطق الرويبضة وتكلموا بغير علم لأن بعضهم يعتقد نفسه المهدي وليس اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستخفوا بكلام أهل العلم وجهّلوهم وكأنهم لايفقهون تمييز معاني الألفاظ ولا أقصد بهذا أخونا صاحب المشاركة ولا غيره معيناً بل قوم سبقوا تأثرنا بأفكارهم وتحليلاتهم الباردة حين حُجبنا عن سعة الاطلاع على للأحاديث وأقوال أهل العلم فصار كل يهرف من بنيات أفكاره وبعض دخله الهوى من جهة أنه يريد أن يكون ذاك الذي يعرفه هو المهدي فكثر أنصار رد أن يكون اسمه باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ثالثاً:
إذا تبين ما سبق في معاني الألفاظ عند الإفتراق والاجتماع عرف البصير أنه لا يمكن الجزم بأن يكون التواطؤ لا يدل على التوافق ولا العكس لكن قد يرجح كل حسب ميله دون جزم أواستخفاف بقول الآخر
وأيضاً حين يطابق اسم شخص اسم آخر ويوافقه لا يدل على توافق ذات المسمى مع ذات المسمى وحين حصل التطابق في الاسم دون الذات فالأولى أن يقال يواطيء خاصة إذا كان المقصود من الاسم عين الذات لأنه لايمكن التطابق من كل وجه بين ذاتين متباينتين
رابعاً:
عدم الجزم هو على فرض أنه لم يرد إلا هذا الحديث ولم يفهم إلا هذا المعنى كما يدّعون ويلبسون عند التنظير فيقولون النبي لم يقل كاسمي بل قال يواطيء مع أنه قد ورد في الأثر عن علي رضي الله عنه ما فيه دلالة على الموافقة وأن اسمه كاسمه وأحاديث أيضاً مرفوعة وإن كان فيه ضعف لكنها خير لذي اللب من فلسفة المتأخرين إذ أنها لو لم تكن من كلام للنبي فهي من فهم الصحابة وخير القرون وهم أهل اللغة لكن قومنا أخذوا مايوافق ميولهم وحذفوا المعنى الآخر من قاموس اللغة والأثر وما روي في الحديث النبوي وقالوا النبي لم يقل كذا مع أنه روي أنه قال ولو لم يصح فلا يقطع أنه لم يقله وقد قال به أحد أصحابه ومن له ارتباط وثيق بالمهدي جده علي .
وهذا إما أن يدل على الهوى المتمكن حيث علموه وأخفوه وهذا قد غلب على الكثير في هذا الزمان في اختياراتهم في الاحكام الشرعية يأخذون بعض الكتاب وينبذون بعضاً ،
وإما أن يدل على جهل من تكلم بهذا وقلة علمه واطلاعه مع تيسره فلم يحط علماً وتسرع بالاختيار قبل التمكن والبحث جهلاً بقدر نفسه وغرورا
ولو كان تحديد الاسم دلت عليه رؤيا عند تفسيرها لكان أوثق من هذه التنظيرات الفاسدة وإن كانت الرؤيا هي أيضاً لا يقطع بها .
(فتوى جامعة)
السؤال :
هل يمكن أن يكون اسم المهدي اسماً آخر غير محمد أو أحمد ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أسماء متعددة كالمبشر والشاهد وعبد الله ..الخ ، فهل يمكن أن يكون له اسماً من أسماء النبي الأخرى تلك ؟
وهل يمكن أن يكون اسم أبيه على غير اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم، فيما نعلم ، من ولد إسماعيل بن إبراهيم ، وأبوه ليس فقط عبد الله بن عبد المطلب ، أي هل يمكن القول بأن اسم المهدي قد يكون مثلاً عبد الله بن إسماعيل أو ما شابه ذلك ؟ وهل هناك حديث صحيح ينص على أن اسم المهدي لا بد أن يكون "محمد بن عبد الله" ؟
تم النشر بتاريخ: 2015-04-28
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى أبو داود (4282) - واللفظ له - ، والترمذي (2230) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي - أَوْ : مِنْ أَهْلِ بَيْتِي - يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا ، وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْأَحَادِيثَ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ ، رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ " انتهى من"منهاج السنة النبوية" (8/ 254) .
وروى أبو داود (4290) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : " قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ ، فَقَالَ: ( إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ) .
فدل الحديث والأثر على أن المهدي الذي يبعث آخر الزمان يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، واسم أبيه اسم أبيه .
وهذا يعني أن اسمه : " محمد بن عبد الله " . وهذا هو ما نص عليه أهل العلم :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اسمه "محمد بن عبد الله" .
انتهى من "جامع المسائل" (3/ 99) .
وقال أيضا :
" الْمَهْدِيُّ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ " .
انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 95) .
وقال أيضا :
" وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَهْدِيِّ: (يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي) : صَارَ يَطْمَعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَهْدِيَّ ، حَتَّى سَمَّى الْمَنْصُورُ ابْنَهُ مُحَمَّدًا وَلَقَّبَهُ بِالْمَهْدِيِّ مُوَاطَأَةً لِاسْمِهِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ بِاسْمِ أَبِيهِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَوْعُودَ بِهِ " انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 98) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ الْفَاطِمِيُّ الْحَسَنِيُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ: يَتُوبُ عَلَيْهِ ، وَيُوَفِّقُهُ، يُلْهِمُهُ رُشْدَهُ ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ " .
انتهى من "البداية والنهاية" (19/ 62) .
وقال القاري رحمه الله :
" ( يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِيَ، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي ) : فَيَكُونُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ ; حَيْثُ يَقُولُونَ: الْمَهْدِيُّ الْمَوْعُودُ هُوَ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ " .
انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/ 3439) .
وقال في "عون المعبود" (11/ 250):
" (يواطىء اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي) فَيَكُونُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ " انتهى .
وينظر : "الشفا" للقاضي عياض رحمه الله (2/ 470-471) .
وعلى هذا ؛ فالمهدي الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم اسمه (محمد بن عبد الله) .
لأن "محمد" أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي يذكر في الشهادتين ، والأذان ، والتشهد ، وغير ذلك من شعائر العبادات ، وهو الذي ذكر في عامة موارد النداء في القرآن .
ولأن المتبادر إلى الذهن من قوله صلى الله عليه وسلم : (اسم أبي) أنه أبوه مباشرة ، وليس أحد أجداده ؛ فلا ينصرف إلى غيره إلا بقرينة واضحة .
قال الإمام البخاري :
" بَاب مَا جَاءَ فِي أَسْمَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : ( مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار ) وَقَوْله : ( مِنْ بَعْدِي اِسْمه أَحْمَد )" انتهى .
قال الحافظ ابن حجر :
"كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ أَشْهَر أَسْمَائِهِ , وَأَشْهُرهمَا مُحَمَّد , وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ , وَأَمَّا أَحْمَد فَذُكِرَ فِيهِ حِكَايَة عَنْ قَوْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام " انتهى من " فتح الباري" (6/555) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يعين لنا اسم المهدي حتى نعرفه بذلك ، ولا يلتبس علينا ، فإذا كان المراد أحد أجداده ، لم يحصل بذلك تعيين الاسم ، ولفات المقصود من الحديث .
أما : الماحي ، والحاشر ، والعاقب ، فهذه وإن كانت من أسمائه صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه لا يعبر بها عنه عند الإطلاق ، بل لابد أن تقرن هذه الأسماء بما يبين معناها ، ويبين الصفة التي تضمنتها ، وبها تنطبق على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : (أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ ) ثم قال : ( وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ ) رواه البخاري (3532) ، ومسلم (2354) .
وينظر : "زاد المعاد" لابن القيم (1/84) .
والله تعالى أعلم
الاسلام سؤال وجواب للشيخ محمد المنجد