وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
زعلتني منك كثير يا عمران
سواء سخطتم أم رضيتم لا يهمني ذلك
أراك تصول وتجول وكأننا أهل بدع وأهواء ، وقد كنت طلبت منك أن تدرس وتتعلم قبل أن تتكلم .
فيما يتعلق بلفظ ( شيخ الإسلام ) ... سوف أحسن الظن بك وأقول أنه :- يبدو إن لديك إشكاليه في لقب ( شيخ الإسلام ) ، وإن شاء الله نوضحها لك وللإخوه والأخوات للفائده .
أولا :- لقب ( شيخ الإسلام ) لا يقتضي عصمة أحد من الخطأ فيما يقوله في الإسلام ، فالعصمه مثبته لرسل الله – عز وجل –
يقول ابن العثيمين في مجموع الفتاوى – باب ( المناهي اللفظيه ) :- " لقب شيخ الإسلام عند الإطلاق لا يجوز، أي إن الشيخ المطلق الذي يُرجع إليه الإسلام لا يجوز أن يوصف به شخص، لأنه لا يُعصم أحد من الخطأ فيما يقول في الإسلام إلا الرسل. أما إذا قصد بشيخ الإسلام أنه شيخ كبير له قدم صدق في الإسلام فإنه لا بأس بوصف الشيخ به وتلقيبه به. "
(ابن العثيمين ليس حجة على نفسه فكيف يكون حجة على غيره)
ثانياً :- لقب ( شيخ الإسلام ) لا يُفهم منه المساواه بين صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن جاء بعدهم ، ولا بين السلف والخلف ، ومن يذهب ظنه إلى ذلك فهو واهم وجاهل ، لأن اللفظ لا يطلق إصطلاحا إلا على من تقدم أهل عصره في العلم والورع وخدمة الإسلام مع كبر سنه . (هذا الكلام مردود على قائله إن كان كذلك فلا تسموهم درءا للفتنة)
أضف إلى ذلك أن هناك فائده ودقيقه لغويه ... فعبارة ( شيخ الإسلام ) هي نوع من أنواع الإضافه في اللغه العربيه ، وعرفها النحويون ب (الإضافه الظرفيه ) وهي الإضافة التي ترد بمعنى(في) حيث يكون المضاف إليه ظرفا للمضاف سواء كان زمانيا أو مكانيا ، كقول الله – عز وجل - :- " بل مكر الليل والنهار " ... أي مكر في الليل ، ومكر في النهار ، وكأن نقول مثلا ( قيام الليل ) فالألف واللام بمعني (في) ... أي قيام في الليل ، وأيضاً ( صيام النهار ) تعني عند النحاه واللغويين ( صيام في النهار)
ولهذا نجد أن علماء ومشايخ السلف – رحمهم الله – قد ألموا بهذا الدقيقه اللغويه والنحويه ... فنجد أن أهل العلم اذا ترجموا لأحد الأئمة يقولون ((شيخ الاسلام في زمانه )) ، وقد أورد ابن ناصر الدين الدمشقي عدة تعريفات لعبارة ( شيخ الإسلام ) منها :- أن شيخ الإسلام معناه من شاب في الإسلام ، وفي تعريف آخر أكثر ضبطاً وتضييقاً قال :- " أن شيخ الإسلام من شاب رأسه في الإسلام ولم يمر بفترة صبوة ولا شرخ شباب من السفه والطيش "
وقد فسرها البعض ب (شيخ أهل الإسلام) ، فقال ابن عابدين في حاشيته : (”شيخ الإسلام”: أي: شيخ أهل الإسلام. وهذا الوصف غلب على من كان في منصب: ”الإفتاء”، أو ”القضاء”)
ثالثاً : لقب ( شيخ الإسلام ) لا يقتضي التوسع في إطلاقه
يقول ابن قاسم في حاشيته على الروض : " والسلف لايطلقون شيخ الإسلام إلا على المتبع لكتاب الله وسنة رسوله مع التبحر في العلوم من المعقول والمنقول" .
وقال السخاوي :- " لم تكن هذه اللفظة مشهورة بين القدماء بعد الشيخين، الصديق والفاروق، فإنه ورد في وصفهما بذلك، ثم اشتهر بها جماعة من علماء السلف، حتى ابتذلت على رأس المئة الثامنة فوصف بها من لا يحصى وصارت لقباً لمن ولي القضاء الأكبر، ولو عري عن العلم والسن، فإنا لله وإنا إليه راجعون "
***
وأختم بكلمات من ذهب للحافظ ابن حجر العسقلاني في تعليقه على كتاب (الرد الوافر) ...
قال – رحمه الله - :- " وقفتُ على هذا التأليف النافع ، والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لأجلها جامع ، فتحققت سعة اطلاع الإمام الذي صنفه ، وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرَّفه ، وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس ، وتلقيبه بـ " شيخ الإسلام " في عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية ، ويستمر غداً كما كان بالأمس ، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره ، أو تجنب الإنصاف ، فما أغلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره ، فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا ، وحصائد ألسنتنا بمنِّه وفضله "