من حيث الشكل والأسلوب هناك فرق كبير بين كلام الاستاذ العراقي وإن كنا نختلف معه في المضمون وبين تسفيه عقل المخالف ورميه بتكذيب القرآن إذا لم يقل بتسطيح الأرض وتصلب السماء وثباتها.
لن أدخل هنا في مناقشة رأي الاستاذ وتحامله المبالغ فيه على من يشتغل بالإعجاز العلمي في القرآن لأن الاستاذ ليس بيننا كي يرد، لكني أكتب لاستغرب نقل مقاله هذا لتأييد فكرة صاحب الموضوع؟
نعم استغرب، لأن الظاهر من كلام الاستاذ عن الكرة التي تشوه الزمكان وذكره للمجموعة الشمسية ودوران النجوم حول نفسها أنه يؤمن بكروية الأرض و تعريجه على الثقوب السوداء في ثنايا الحديث عن نسبية آينشتاين دليل على أنه لا يرى صلابة السماء وثباتها، كيف يرى ذلك والنسبية تقول بأن المكان نفسه متغير؟
ومع استغرابي فأنا مندهش أيضا من الاستشهاد بكلام هذا الاستاذ دون معرفة منظومته الفكرية التي تجعله يرد على المشتغلين بالإعجاز العلمي في القرآن.
طبعا أنا لا أعرف هذا الاستاذ ولست من الذين يشتغلون ليل نهار بتصنيف الناس ممن يظنون أنهم وحدهم فقط الفرقة الناجية، ولا أسمح لنفسي بالحكم على أحد، لكن يهمني أن أناقش الأفكار وأن أعرف كيف يتبنى هذا الشخص أو ذاك فكرة ما أو نقيضها. أكرر لست ممن يشق صدور الناس وينقب عن النوايا ويوزع الأوسمة. إذا اتضح هذا، أقول أنا مندهش فعلا من الاستشهاد بهذا المقال نظرا لشساعة البون بين المدرسة الفكرية لصاحبه ومدرسة القائلين بتصلب السماء وتسطح الأرض.
لعل القارئ يقول من أين لك بالمدرسة الفكرية لصاحب المقال؟ فالجواب: من مقالاته الأخرى التي وجدتها
هنا (بما فيها المقال المنقول).
أكرر مجددا، أنا مستعد لمناقشة مضمون المقال، وربما فعلته في غياب صاحبه لو رأيته ينفع هذا الموضوع، لكني هنا بصدد توضيح منظومته الفكرية دون الحكم على شخصه. هذه المنظومة التي ترى أن "
القدس مسألة وطنية وليست دينية" و أن الطريق "
نحو حوار أديان متحضر" يمر بنا على فهم "الآية الكريمة ["لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" على أنها] لا تكفر النصارى بل الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وكأنها تؤيد موقف الارثوذكسية". الكنيسة الأرثوذكسية التي تبنت "قانون الايمان الاثانسي: "هذا الإيمان الجامع هو أن تعبد إلهاً واحداً في ثالوث، وثالوثاً في توحيد، لا نمزج الأقانيم ولا نفصل الجوهر، إن للآب أقنوماً وللابن أقنوماً وللروح القدس أقنوماً، ولكن الآب والابن والروح القدس لاهوت واحد ومجد متساوٍ وجلال أبدي معاً، وهكذا الآب إله والابن إله والروح القدس إله، ولكن ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد". "ونصحت الكنيسة أتباعها بعدم التفكير في مسألة الثالوث المقدس معتبرة أنه سر من أسرار الكنيسة". هذه المنظومة الفكرية التي تتحامل على من اشتغل بالاعجاز العملي في القرآن تتساءل "هل يذكرنا موقف الإمام مالك [في ذم طلب الدين بالكلام] بموقف الكنيسة التي اعتبرت مسألة الثالوث المقدس سراً من الاسرار؟" لتخلص إلى أن "التكفير لا يعكس سوى الجهل، فالجاهل بمعتقداته ومعتقدات الآخرين هو من يكفر الآخرين، أما العارف بمعتقداته ومعتقدات الآخرين فإنه يتفهم هذا المعتقدات ويحترم أصحابها."
أخيرا، ربما أختلف جذريا مع منظومة فكرية معينة، ولكن لا يمنعني هذا أن أوافقها على فكرة ما إذا رأيت صوابها، عملا بالأثر "صدقك وهو كذوب"، وربما استشهدت بكلام هذه المنظومة على هذه الفكرة لكن ليس على طريقة حاطب الليل.