- إنضم
- 6 يوليو 2013
- المشاركات
- 492
- التفاعل
- 203
- النقاط
- 47
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا : تعريف الجناية وأقسامها:
أ- تعريف الجِناية:
الجِناية جمعها جنايات، وهي لغة: التعدي على بدن أو مال أو عرض، وقد جعل الفقهاء كتاب الجنايات خاصاً بالتَّعدي على البدن، وكتاب الحدود خاصاً بالتعدي على المال والعرض.
فالجناية شرعاً: التعدِّي على البدن بما يوجب قصاصاً، أو مالاً، أو كفارة.
ب- أقسام الجناية: تنقسم الجناية إلى قسمين:
1- جناية على النفس.
2- جناية على ما دون النفس.
المسألة الثانية: الجناية على النفس:
وهي كل فعل يؤدي إلى زهوق النفس، وهي القتل. وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الإسراء: 33]. ولحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري برقم (3335)، ومسلم برقم (1677) . فتحريم القتل بغير حق ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.
حكم قاتل النفس بغير حق:
إذا قتل شخص شخصاً متعمداً بغير حق فحكمه أنه فاسق؛
لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب، وقد عظَّم الله شأن القتل، فقال سبحانه: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً) أخرجه البخاري برقم (6862). وقد توعده الله سبحانه، فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا…) [النساء: 93]. وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48]. فهو داخل تحت المشيئة؛ لأن ذنبه دون الشرك. هذا إن لم يتب، أما إذا تاب فتوبته مقبولة؛ لقوله عز وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53] ولكن لا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد توبة القاتل.
المسألة الثالثة: أنواع القتل:
ينقسم القتل إلى ثلاثة أقسام: القتل العمد، وشبه العمد، والخطأ.
والخطأ والعمد ورد ذكرهما في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92]. وقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وأما شبه العمد: فثبت في السنة المطهرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عقل شبه العمد مغلظ، مثل عقل العمد) رواه أبو داود برقم (4565)، وأحمد في المسند (2/183) وحسَّنه الأرناؤوط في حاشية المسند (11/328).
وإلى تفصيل القول في هذه الأقسام الثلاثة:
القسم الأول: قتل العمد:
حقيقته: أن يقصد القاتل آدمياً معصوماً، فيقتله بما يغلب على الظن موته
به. فعلى هذا لابد من توافر ثلاثة شروط، حتى يكون القتل عمداً:
1- وجود القصد من القاتل، وهو إرادة القتل.
2- أن يعلم أن الشخص الذي قصد قتله آدمي معصوم الدم.
3- أن تكون الآلة التي قتله بها مما تصلح أن تكون للقتل عادة، سواء أكانت محددة أم غير محددة.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يكن القتل عمداً.
• صور القتل العمد:
1- أن يضربه بمُحَدَّد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن؛ كالسيف والسكين والرمح وما في معناها.
2- أن يقتله بِمُثَقَّل كبير، كالحجر الكبير والمطرقة ونحوها؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ الرضُّ: الدق والكسر بين حجرين. فسألوها: من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهودياً، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي، فأقرَّ، فأمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرض رأسه بالحجارة. رواه البخاري برقم (2413)، ومسلم برقم (1672) -17
3- أن يمنع خروج نَفَسِهِ، كأن يخنقه بحبل ونحوه، أو يسد فمه، وأنفه، حتى يموت.
4- أن يسقيه سُمًّا لا يعلم به، أو يطعمه شيئاً قاتلاً، فيموت به.
5- أن يلقيه في مهلكة يكثر فيها السباع، أو ينعدم فيها الماء.
6- أن يلقيه في ماء يغرقه، أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص منهما.
7- أن يحبسه، ويمنع عنه الطعام والشراب زمناً يموت فيه غالباً، فيموت بذلك جوعاً أو عطشاً.
8- أن يلقيه إلى حيوان مفترس كأسد، أو حية قاتلة، فيموت من ذلك.
9- أن يتسبب في قتله بما يقتل غالباً، كأن يشهد عليه بما يوجب قتله من زنى، أو ردة، أو قتل، فيقتل، ثم يرجع الشهود عن شهادتهم ويقولون: تعمدنا قتله، فيقتلون به.
• حكم قتل العمد:
لقتل العمد حكمان:
1- حكم أخروي: وهو تحريم القتل، ولفاعله الإثم العظيم، والعذاب الأليم، إن لم يتب، أو يعفو الله عنه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
2- حكم دنيوي: فيترتب على قتل العمد القصاص إن لم يعف أولياء المقتول؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 178]، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعفو وإما أن يُقتل) وفي رواية: (إما أن يقاد وإما أن يُفدى) رواه البخاري برقم (4295)، ومسلم برقم (1354). فولي الدم مخير بين القصاص، أو العفو بلا مقابل، أو أخذ الدية وهي بدل عن القصاص وله الصلح على أكثر منها. قال الموفق: لا أعلم فيه خلافاً؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: (من قَتَلَ عمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حِقَّةً وثلاثون جَذَعَةً وأربعون خَلِفَةً، وما صُولحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل) رواه ابن ماجه برقم (2626)، وغيره بسند حسن، انظر: إرواء الغليل (7/259)، وصحيح ابن ماجه برقم (2125). والحقة من الإبل: ما أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، والجذعة: ما أتمت أربع سنين، ودخلت في الخامسة، والخلفة: الحامل من الإبل، وجمعها مخاض من غير لفظها. وعفوه بلا مقابل أفضل؛ لقوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة: 237].
• شروط القصاص في النفس: يستحق ولي القتيل القصاص بشروط أربعة:
1- أن يكون القاتل مكلفاً، وهو البالغ العاقل. فلا قصاص على الصغير والمجنون والمعتوه والنائم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى
يستيقظ، وعن الصبيّ حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) ، ولأن هؤلاء ليس لهم قصد صحيح، أو لعدم وجود القصد منهم.
2- أن يكون المقتول معصوم الدم؛ لأن القصاص شرع لحقن الدماء، ومهدر الدم غير محقون، فلو قتل مسلم كافراً حربياً، أو مرتداً قبل توبته، أو زانياً محصناً، فلا قصاص عليه، ولا دية، لكنه يعزر لتعدِّيه على الحاكم.
3- التكافؤ بين القاتل والمقتول، فيساويه في الحرية والدين والرق، فلا يقتل مسلم بكافر، ولو كان المسلم عبداً والكافر حراً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقتل مسلم بكافر) أخرجه البخاري برقم (6915). ولا يقتل حر بعبد؛ لقوله تعالى: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) [البقرة: 178] وما سوى ذلك فلا يؤثر التفاضل في شيء منها في القصاص، فيقتل الشريف بالوضيع، والذكر بالأنثى، والصحيح بالمجنون والمعتوه؛ لعموم قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة: 45].
4- عدم الولادة، فلا يكون المقتول ولداً للقاتل ولا لولده وإن سفل، فلا يقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقتل والد بولده) أخرجه الترمذي برقم (1433، 1434)، وابن ماجه برقم (2661، 2662) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجه (2156، 2157).
ويقتل الولد بكل من الأبوين؛ لعموم قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) [البقرة: 178].
• الحكمة من القصاص:
شرع الله سبحانه القصاص؛ رحمة بالناس، وحفظاً لدمائهم، وزجراً عن العدوان، وإذاقة للجاني ما أذاقه لغيره، وفيه إذهاب لحرارة الغيظ من قلوب أولياء المجني عليه، وفيه حياة للناس، وبقاء للنوع الإنساني، كما قال سبحانه: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 179].
• شروط استيفاء القصاص:
إذا توافرت شروط استحقاق القصاص ووجوبه، فإنه لا يستوفى من الجاني ولا توقع العقوبة عليه إلا بشروط ثلاثة، وهي:
1- أن يكون مستحق القصاص مكلفاً -بالغاً عاقلاً- فإن كان مستحقه -أو بعضهم- صبياً أو مجنوناً، لم ينب عنهما غيرهما في استيفائه، وإنما يحبس الجاني إلى حين بلوغ الصغير، وإفاقة المجنون. وقد فعله معاوية - رضي الله عنه - وأقرَّه الصحابة، فكان كالإجماع منهم.
2- اتفاق أولياء الدم المستحقين للقصاص جميعاً على استيفائه، وليس لبعضهم الانفراد به، لئلا يكون مستوفياً لحق غيره بغير إذنه، فينتظر قدوم الغائب، وبلوغ الصغير، وإفاقة المجنون، ومن مات من مستحقي القصاص قام وارثه مقامه. وان عفا بعض مستحقي القصاص سقط القصاص.
3- أن يُؤْمَن عدم تعدي القصاص إلى غير الجاني؛ لقوله تعالى: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) [الإسراء: 33]. فإن وجب القصاص على حامل لا تقتل حتى تضع حملها؛ لأن قتلها يتعدى إلى الجنين. فإن وضعت ما في بطنها: فإن وجد من يقوم مقامها في إرضاع الولد أقيم عليها الحدُّ، وإن لم يوجد تركت حتى تفطمه لحولين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الغامدية: (إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه) فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله! فرجمها أخرجه مسلم برقم (1695).
• من أحكام القصاص:
1- ينفذ القصاص بحضور الحاكم -الإمام- أو نائبه، فهو الذي يقيمه ويأذن فيه؛ ليمنع من الجور فيه، ولإقامته على الوجه الشرعي، ودرءاً للفساد والتخريب والفوضى.
2- الأصل أن يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل: 126]. ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رضَّ رأس اليهودي الذي قتل الجارية بين حجرين، كما فعل بها . وكذا إن قطع يديه، ثم قتله، فعل به ذلك.
3- لا بد أن تكون الآلة التي ينفذ بها القصاص ماضية، كسيف وسكين ونحوه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) أخرجه مسلم برقم (1955).
4- إن كان ولي المقتول يحسن الاستيفاء على الوجه الشرعي، مَكَّنه الحاكمُ من ذلك، وإلا أمره أن يوكل من يقتص له، ممن يحسن ذلك.
القسم الثاني: قتل شبه العمد:
حقيقته: أن يقصد الاعتداء على شخص بما لا يقتل غالباً، فيموت المجني عليه، ويسمى أيضاً خطأ العمد، فهو يشبه العمد من جهة قصد ضربه، ويشبه الخطأ من جهة ضربه بما لم يقصد به القتل، فلذلك كان حكمه متردداً بين العمد والخطأ. وسواء في ذلك قصد العدوان عليه أو تأديبه.
• من صور قتل شبه العمد وأمثلته:
1- أن يضربه في غير مقتل بسوط أو حجر صغير أو عصا صغيرة، أو يلكمه أو يلكزه في غير مقتل فيموت. واللَّكم: الضرب بجُمْع الكف، واللَّكز: الضرب بجمع الكف في الصدر.
2- أن يربطه ويلقيه إلى جانب ماء قد يزيد وقد لا يزيد، فيزيد الماء، ويموت منه، وكذا لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق مثله فغرق.
3- أن يصيح بعاقل في حال غفلته فيموت، أو يصيح بصغير، أو معتوه، على سطح، فيسقط، فيموت.
• حكم قتل شبه العمد:
لقتل شبه العمد حكمان:
1- حكم أخروي: وهو الحرمة والإثم والعقاب في الآخرة؛ لأنه تسبب بفعله في قتل معصوم الدم، إلا أن عقابه دون قتل العمد.
2- حكم دنيوي: فيترتب عليه الدية مغلظة، ولا يترتب عليه قصاص كالعمد وإن طالب به ولي الدم، وتجب الكفارة في مال الجاني، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. وتثبت الدية لولي الدم على عاقلة (العاقلة: هم العصبة، وهم القرابة من قبل الأب الذين يعطون دية قتل الخطأ) القاتل مؤجلة في ثلاث سنوات؛ لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه)، وحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: (ضربت امرأة ضرة لها بعمود فسطاط، وهي حبلى فقتلتها، فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية المقتولة على عصبة القاتلة) رواه مسلم برقم (1682).
القسم الثالث: قتل الخطأ:
حقيقته: أن يقتل شخصاً من غير قصد لقتله.
• أنواع قتل الخطأ:
1- الخطأ في الفعل، وهو: أن يفعل ما يجوز له فعله فيصيب آدمياً معصوماً لم يقصده، كأن يرمي صيداً، فيصيب إنساناً فيقتله، أو ينقلب وهو نائم على إنسان فيموت.
2- الخطأ في القصد، كأن يرمي ما يظنه مباحاً فيتبين آدمياً، كما لو رمى شيئاً يظنه صيداً، فيتبين آدمياً معصوماً.
3- أن يكون القاتل عمداً صغيراً أو مجنوناً، فعمد الصبي والمجنون يجري مجرى الخطأ؛ لأنهما ليس لهما قصد.
ويلحق بقتل الخطأ: القتل بالتسبب، كما لو حفر بئراً، أو حفرة في طريق، فتلف بسبب ذلك إنسان.
• حكم قتل الخطأ:
لهذا القتل حكمان:
1- حكم أخروي: وهو عدم الإثم والعقاب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه برقم (2043)، والبيهقي، وهو صحيح، وصححه الألباني في الإرواء برقم (82).
2- حكم دنيوي: وهو وجوب الدية على عاقلة القاتل مؤجلة ثلاث سنين ومخففة في خمسة أنواع من الإبل؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92]، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بِغُرَّةٍ: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قَضَى عليها بالغرة توفيت ( المراد أن المرأة التي قضي لها بالغرة -وهي المجنيّ عليها- هي التي توفيت. (شرح النووي على مسلم 11/177))، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ميراثها لزوجها، وبنيها، وأن العقل على عصبتها) متفق عليه: رواه البخاري برقم (6740)، ومسلم برقم (1681).
وتجب على من قتل خطأً مع الدية كفارة وهي كالآتي:
1- عتق رقبة مؤمنة: وهذا إذا كان يستطيع العتق، ويشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة سليمة من العيوب؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [النساء: 92]. فإن لم يتمكن من العتق؛ لفقره أو لعدم وجود الرقيق، فإنه ينتقل إلى:
2- صوم شهرين متتابعين إن كان يستطيع؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ) [النساء: 92]. فإن عجز عن الصوم
لمرض أو كبر سن بقيت الكفارة متعلقة في ذمته، ولا يجزئ عنه الإطعام؛ لأن الله تعالى لم يذكره، والأبدال في الكفارة تتوقف على النص دون القياس.
أولا : تعريف الجناية وأقسامها:
أ- تعريف الجِناية:
الجِناية جمعها جنايات، وهي لغة: التعدي على بدن أو مال أو عرض، وقد جعل الفقهاء كتاب الجنايات خاصاً بالتَّعدي على البدن، وكتاب الحدود خاصاً بالتعدي على المال والعرض.
فالجناية شرعاً: التعدِّي على البدن بما يوجب قصاصاً، أو مالاً، أو كفارة.
ب- أقسام الجناية: تنقسم الجناية إلى قسمين:
1- جناية على النفس.
2- جناية على ما دون النفس.
المسألة الثانية: الجناية على النفس:
وهي كل فعل يؤدي إلى زهوق النفس، وهي القتل. وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الإسراء: 33]. ولحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري برقم (3335)، ومسلم برقم (1677) . فتحريم القتل بغير حق ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.
حكم قاتل النفس بغير حق:
إذا قتل شخص شخصاً متعمداً بغير حق فحكمه أنه فاسق؛
لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب، وقد عظَّم الله شأن القتل، فقال سبحانه: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً) أخرجه البخاري برقم (6862). وقد توعده الله سبحانه، فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا…) [النساء: 93]. وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48]. فهو داخل تحت المشيئة؛ لأن ذنبه دون الشرك. هذا إن لم يتب، أما إذا تاب فتوبته مقبولة؛ لقوله عز وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53] ولكن لا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد توبة القاتل.
المسألة الثالثة: أنواع القتل:
ينقسم القتل إلى ثلاثة أقسام: القتل العمد، وشبه العمد، والخطأ.
والخطأ والعمد ورد ذكرهما في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92]. وقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وأما شبه العمد: فثبت في السنة المطهرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عقل شبه العمد مغلظ، مثل عقل العمد) رواه أبو داود برقم (4565)، وأحمد في المسند (2/183) وحسَّنه الأرناؤوط في حاشية المسند (11/328).
وإلى تفصيل القول في هذه الأقسام الثلاثة:
القسم الأول: قتل العمد:
حقيقته: أن يقصد القاتل آدمياً معصوماً، فيقتله بما يغلب على الظن موته
به. فعلى هذا لابد من توافر ثلاثة شروط، حتى يكون القتل عمداً:
1- وجود القصد من القاتل، وهو إرادة القتل.
2- أن يعلم أن الشخص الذي قصد قتله آدمي معصوم الدم.
3- أن تكون الآلة التي قتله بها مما تصلح أن تكون للقتل عادة، سواء أكانت محددة أم غير محددة.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يكن القتل عمداً.
• صور القتل العمد:
1- أن يضربه بمُحَدَّد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن؛ كالسيف والسكين والرمح وما في معناها.
2- أن يقتله بِمُثَقَّل كبير، كالحجر الكبير والمطرقة ونحوها؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ الرضُّ: الدق والكسر بين حجرين. فسألوها: من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهودياً، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي، فأقرَّ، فأمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرض رأسه بالحجارة. رواه البخاري برقم (2413)، ومسلم برقم (1672) -17
3- أن يمنع خروج نَفَسِهِ، كأن يخنقه بحبل ونحوه، أو يسد فمه، وأنفه، حتى يموت.
4- أن يسقيه سُمًّا لا يعلم به، أو يطعمه شيئاً قاتلاً، فيموت به.
5- أن يلقيه في مهلكة يكثر فيها السباع، أو ينعدم فيها الماء.
6- أن يلقيه في ماء يغرقه، أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص منهما.
7- أن يحبسه، ويمنع عنه الطعام والشراب زمناً يموت فيه غالباً، فيموت بذلك جوعاً أو عطشاً.
8- أن يلقيه إلى حيوان مفترس كأسد، أو حية قاتلة، فيموت من ذلك.
9- أن يتسبب في قتله بما يقتل غالباً، كأن يشهد عليه بما يوجب قتله من زنى، أو ردة، أو قتل، فيقتل، ثم يرجع الشهود عن شهادتهم ويقولون: تعمدنا قتله، فيقتلون به.
• حكم قتل العمد:
لقتل العمد حكمان:
1- حكم أخروي: وهو تحريم القتل، ولفاعله الإثم العظيم، والعذاب الأليم، إن لم يتب، أو يعفو الله عنه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
2- حكم دنيوي: فيترتب على قتل العمد القصاص إن لم يعف أولياء المقتول؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 178]، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعفو وإما أن يُقتل) وفي رواية: (إما أن يقاد وإما أن يُفدى) رواه البخاري برقم (4295)، ومسلم برقم (1354). فولي الدم مخير بين القصاص، أو العفو بلا مقابل، أو أخذ الدية وهي بدل عن القصاص وله الصلح على أكثر منها. قال الموفق: لا أعلم فيه خلافاً؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: (من قَتَلَ عمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حِقَّةً وثلاثون جَذَعَةً وأربعون خَلِفَةً، وما صُولحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل) رواه ابن ماجه برقم (2626)، وغيره بسند حسن، انظر: إرواء الغليل (7/259)، وصحيح ابن ماجه برقم (2125). والحقة من الإبل: ما أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، والجذعة: ما أتمت أربع سنين، ودخلت في الخامسة، والخلفة: الحامل من الإبل، وجمعها مخاض من غير لفظها. وعفوه بلا مقابل أفضل؛ لقوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة: 237].
• شروط القصاص في النفس: يستحق ولي القتيل القصاص بشروط أربعة:
1- أن يكون القاتل مكلفاً، وهو البالغ العاقل. فلا قصاص على الصغير والمجنون والمعتوه والنائم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى
يستيقظ، وعن الصبيّ حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) ، ولأن هؤلاء ليس لهم قصد صحيح، أو لعدم وجود القصد منهم.
2- أن يكون المقتول معصوم الدم؛ لأن القصاص شرع لحقن الدماء، ومهدر الدم غير محقون، فلو قتل مسلم كافراً حربياً، أو مرتداً قبل توبته، أو زانياً محصناً، فلا قصاص عليه، ولا دية، لكنه يعزر لتعدِّيه على الحاكم.
3- التكافؤ بين القاتل والمقتول، فيساويه في الحرية والدين والرق، فلا يقتل مسلم بكافر، ولو كان المسلم عبداً والكافر حراً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقتل مسلم بكافر) أخرجه البخاري برقم (6915). ولا يقتل حر بعبد؛ لقوله تعالى: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) [البقرة: 178] وما سوى ذلك فلا يؤثر التفاضل في شيء منها في القصاص، فيقتل الشريف بالوضيع، والذكر بالأنثى، والصحيح بالمجنون والمعتوه؛ لعموم قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة: 45].
4- عدم الولادة، فلا يكون المقتول ولداً للقاتل ولا لولده وإن سفل، فلا يقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقتل والد بولده) أخرجه الترمذي برقم (1433، 1434)، وابن ماجه برقم (2661، 2662) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجه (2156، 2157).
ويقتل الولد بكل من الأبوين؛ لعموم قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) [البقرة: 178].
• الحكمة من القصاص:
شرع الله سبحانه القصاص؛ رحمة بالناس، وحفظاً لدمائهم، وزجراً عن العدوان، وإذاقة للجاني ما أذاقه لغيره، وفيه إذهاب لحرارة الغيظ من قلوب أولياء المجني عليه، وفيه حياة للناس، وبقاء للنوع الإنساني، كما قال سبحانه: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 179].
• شروط استيفاء القصاص:
إذا توافرت شروط استحقاق القصاص ووجوبه، فإنه لا يستوفى من الجاني ولا توقع العقوبة عليه إلا بشروط ثلاثة، وهي:
1- أن يكون مستحق القصاص مكلفاً -بالغاً عاقلاً- فإن كان مستحقه -أو بعضهم- صبياً أو مجنوناً، لم ينب عنهما غيرهما في استيفائه، وإنما يحبس الجاني إلى حين بلوغ الصغير، وإفاقة المجنون. وقد فعله معاوية - رضي الله عنه - وأقرَّه الصحابة، فكان كالإجماع منهم.
2- اتفاق أولياء الدم المستحقين للقصاص جميعاً على استيفائه، وليس لبعضهم الانفراد به، لئلا يكون مستوفياً لحق غيره بغير إذنه، فينتظر قدوم الغائب، وبلوغ الصغير، وإفاقة المجنون، ومن مات من مستحقي القصاص قام وارثه مقامه. وان عفا بعض مستحقي القصاص سقط القصاص.
3- أن يُؤْمَن عدم تعدي القصاص إلى غير الجاني؛ لقوله تعالى: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) [الإسراء: 33]. فإن وجب القصاص على حامل لا تقتل حتى تضع حملها؛ لأن قتلها يتعدى إلى الجنين. فإن وضعت ما في بطنها: فإن وجد من يقوم مقامها في إرضاع الولد أقيم عليها الحدُّ، وإن لم يوجد تركت حتى تفطمه لحولين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الغامدية: (إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه) فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله! فرجمها أخرجه مسلم برقم (1695).
• من أحكام القصاص:
1- ينفذ القصاص بحضور الحاكم -الإمام- أو نائبه، فهو الذي يقيمه ويأذن فيه؛ ليمنع من الجور فيه، ولإقامته على الوجه الشرعي، ودرءاً للفساد والتخريب والفوضى.
2- الأصل أن يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل: 126]. ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رضَّ رأس اليهودي الذي قتل الجارية بين حجرين، كما فعل بها . وكذا إن قطع يديه، ثم قتله، فعل به ذلك.
3- لا بد أن تكون الآلة التي ينفذ بها القصاص ماضية، كسيف وسكين ونحوه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) أخرجه مسلم برقم (1955).
4- إن كان ولي المقتول يحسن الاستيفاء على الوجه الشرعي، مَكَّنه الحاكمُ من ذلك، وإلا أمره أن يوكل من يقتص له، ممن يحسن ذلك.
القسم الثاني: قتل شبه العمد:
حقيقته: أن يقصد الاعتداء على شخص بما لا يقتل غالباً، فيموت المجني عليه، ويسمى أيضاً خطأ العمد، فهو يشبه العمد من جهة قصد ضربه، ويشبه الخطأ من جهة ضربه بما لم يقصد به القتل، فلذلك كان حكمه متردداً بين العمد والخطأ. وسواء في ذلك قصد العدوان عليه أو تأديبه.
• من صور قتل شبه العمد وأمثلته:
1- أن يضربه في غير مقتل بسوط أو حجر صغير أو عصا صغيرة، أو يلكمه أو يلكزه في غير مقتل فيموت. واللَّكم: الضرب بجُمْع الكف، واللَّكز: الضرب بجمع الكف في الصدر.
2- أن يربطه ويلقيه إلى جانب ماء قد يزيد وقد لا يزيد، فيزيد الماء، ويموت منه، وكذا لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق مثله فغرق.
3- أن يصيح بعاقل في حال غفلته فيموت، أو يصيح بصغير، أو معتوه، على سطح، فيسقط، فيموت.
• حكم قتل شبه العمد:
لقتل شبه العمد حكمان:
1- حكم أخروي: وهو الحرمة والإثم والعقاب في الآخرة؛ لأنه تسبب بفعله في قتل معصوم الدم، إلا أن عقابه دون قتل العمد.
2- حكم دنيوي: فيترتب عليه الدية مغلظة، ولا يترتب عليه قصاص كالعمد وإن طالب به ولي الدم، وتجب الكفارة في مال الجاني، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. وتثبت الدية لولي الدم على عاقلة (العاقلة: هم العصبة، وهم القرابة من قبل الأب الذين يعطون دية قتل الخطأ) القاتل مؤجلة في ثلاث سنوات؛ لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه)، وحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: (ضربت امرأة ضرة لها بعمود فسطاط، وهي حبلى فقتلتها، فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية المقتولة على عصبة القاتلة) رواه مسلم برقم (1682).
القسم الثالث: قتل الخطأ:
حقيقته: أن يقتل شخصاً من غير قصد لقتله.
• أنواع قتل الخطأ:
1- الخطأ في الفعل، وهو: أن يفعل ما يجوز له فعله فيصيب آدمياً معصوماً لم يقصده، كأن يرمي صيداً، فيصيب إنساناً فيقتله، أو ينقلب وهو نائم على إنسان فيموت.
2- الخطأ في القصد، كأن يرمي ما يظنه مباحاً فيتبين آدمياً، كما لو رمى شيئاً يظنه صيداً، فيتبين آدمياً معصوماً.
3- أن يكون القاتل عمداً صغيراً أو مجنوناً، فعمد الصبي والمجنون يجري مجرى الخطأ؛ لأنهما ليس لهما قصد.
ويلحق بقتل الخطأ: القتل بالتسبب، كما لو حفر بئراً، أو حفرة في طريق، فتلف بسبب ذلك إنسان.
• حكم قتل الخطأ:
لهذا القتل حكمان:
1- حكم أخروي: وهو عدم الإثم والعقاب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه برقم (2043)، والبيهقي، وهو صحيح، وصححه الألباني في الإرواء برقم (82).
2- حكم دنيوي: وهو وجوب الدية على عاقلة القاتل مؤجلة ثلاث سنين ومخففة في خمسة أنواع من الإبل؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92]، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بِغُرَّةٍ: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قَضَى عليها بالغرة توفيت ( المراد أن المرأة التي قضي لها بالغرة -وهي المجنيّ عليها- هي التي توفيت. (شرح النووي على مسلم 11/177))، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ميراثها لزوجها، وبنيها، وأن العقل على عصبتها) متفق عليه: رواه البخاري برقم (6740)، ومسلم برقم (1681).
وتجب على من قتل خطأً مع الدية كفارة وهي كالآتي:
1- عتق رقبة مؤمنة: وهذا إذا كان يستطيع العتق، ويشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة سليمة من العيوب؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [النساء: 92]. فإن لم يتمكن من العتق؛ لفقره أو لعدم وجود الرقيق، فإنه ينتقل إلى:
2- صوم شهرين متتابعين إن كان يستطيع؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ) [النساء: 92]. فإن عجز عن الصوم
لمرض أو كبر سن بقيت الكفارة متعلقة في ذمته، ولا يجزئ عنه الإطعام؛ لأن الله تعالى لم يذكره، والأبدال في الكفارة تتوقف على النص دون القياس.