وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بيان بعض من أقوال أهل العلم في معنى قول الله عز وجل (( سيماهم في وجوههم من أثر السجود )) وأنه ليس المقصود منها الأثر الذي يظهر على جبهة المصلي من كثرة سجوده وإنما هو معنى أعظم واجل ، قال الله عز وجل :
((مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىَ عَلَىَ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )) .
قال بن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية :
وقوله جل جلاله: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } قال ابن عباس : يعني السمت الحسن، وقال مجاهد : يعني الخشوع والتواضع ، وقال السدي: الصلاة تحسّن وجوههم، وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حَسُن وجهه بالنهار ( أسنده ابن ماجة في سننه والصحيح أنه موقوف) .
وقال بعضهم : إن للحسنة نوراً في القلب ، وضياء في الوجه ،
وسعة في الرزق ، ومحبة في قلوب الناس .
وقال عثمان رضي اللّه عنه :
" ما أسّر أحد سريرة إلا أبداها اللّه تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه "
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع اللّه تعالى ، أصلح اللّه عزَّ وجلَّ ظاهره للناس ، كما روي عن عمر رضي اللّه عنه أنه قال : " من أصلح سريرته أصلح اللّه تعالى علانيته " .
فالصحابة رضي اللّه عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم
فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم ، وقال مالك رضي اللّه عنه :
بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي اللّه عنهم الذين فتحوا الشام يقولون :
واللّه لهؤلاء خير من الحوارين فيما بلغنا ، وصدقوا في ذلك ، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة ،
وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
وقال البغوي رحمه الله في تفسيره
سيماهم " أي علامتهم " في وجوههم من أثر السجود "
اختلفوا في هذه السيما: فقيل : هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة يعرفون به
أنهم سجدوا في الدنيا .
وهو رواية عطية العوفي عن ابن عباس ، قال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس :
استنارت وجوههم من كثرة ما صلوا.
وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر .
وقال آخرون : هو السمت الحسن والخشوع والتواضع . وهو رواية الوالبي عن ابن عباس قال :
ليس بالذي ترون ولكنه سيماء الإسلام وسجيته وسمته وخشوعه .
وهو قول مجاهد ، والمعنى : أن السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن الذي يعرفون به .
وقال الضحاك : هو صفرة الوجه من السهر .
بارك الله فيك وجزاك كل الخير