بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الهادي البشير سلاما كثيرا الى يوم الدين، وبعد:
وُلِد الهُدى فالكائناتُ ضياءُ * وفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وسَناءُ
يا خيرَ من جاء الوجودَ تحيَّةً * من مُرْسَلِين إلى الهدى بك جاؤوا
يومٌ يَتِيهُ على الزَّمان صباحُهُ * ومساؤه بِمُحمَّدٍ وضَّاءُ
لماذا لا أحتفل بمَولِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟
1- اختلف علماء السِّيَر والتاريخ في تحديد سنة ولادته، وشهر ميلاده، ويومه وساعته!
ونعلم أن عُمَرَ رضي الله عنه أرَّخ بهجرة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم بإقرارٍ من الصحابة، ولم يؤرِّخْ بمَولِده صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وهذا يدل على أن الصحابةَ رضي الله عنه لم يكونوا يعلمون جزمًا يومَ ولادته، بل لم يكونوا يرون أنَّ ضبط تاريخ مَولِده صلَّى الله عليه وسلَّم له أهميةٌ يترتَّب عليها حكمٌ شرعيٌّ.
والذي يعرفه المسلمون أن ولادته صلَّى الله عليه وسلَّم كانت يوم الاثنين، وكان حبيبنا صلَّى الله عليه وسلَّم يصومه ؛ ولَمَّا سُئل عن ذلك قال:
«ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه مسلم.
ولا يوجد أي كتاب يتحدث عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه كان يتحرَّى صيام الثاني عشر من ربيع الأول مرةً في السنة، بل كان يصوم كل اثنين بمناسبة ولادته وبعثته فيه!
ولم يُضِفْ إلى الصيامِ احتفالًا كاحتفال أرباب الموالِد، من تجمعاتٍ وغيرها.
أفلا يكفي الأمةَ ما كفى نبيَّها، ألسنا نحب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم؟
سأفرح بيوم ميلاده صلَّى الله عليه وسلَّم، وسأحتفل -كما احتفل صاحب المَولِد صلَّى الله عليه وسلَّم- كُلَّ اثنينٍ بصيامه بكلَّ أسبوع قدر استطاعتي.
2- هل حبي وكثرة ذكري للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقط في هذا اليوم؟! ألست أحِبُّه وأذكره كل يوم؟! أيُّ معنًى لتخصيص يومٍ واحدٍ في السنة نتذكَّر فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
هل نسيناه حتى نتذكره؟!
هل يجوز ألَّا نفرحَ به صلَّى الله عليه وسلَّم إلا مرة واحدة في السنة؟
هل هذه الطريقة فيها توقير للمصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم أم أنها إجحافٌ بحضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟
هل أصبحت محبَّةُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يومًا في السنة؟! وهو القائل:
«البخيلُ مَنْ ذُكِرتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ».
فبالله عليكم، أيُّ بخلٍ تصِفون به مَن يقولُ: نخصِّص للنبي صلَّى الله عليه وسلم يوما
أليس هذا بُخلًا وإجحافًا في حقِّ نبينا الهادي صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
3- القاعدة في العبادات: أن نتعبَّدَ لله بما شرعَ لا بالبِدَع، حتى لو بدا العمل حسنًا، فهو مردودٌ على صاحبه.
هل حينما نحتفل بمَولِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نبتغي بذلك أجرًا وثوابًا وقُربى من الله؟ أم أننا نحتفل لمجرد العادات، وأكل الحلوى والرز بالحمص، والتلهِّي بالألحان الشجية المُطرِبة؟!
أظنُّ في الناس خيرًا، إنهم يَنشُدون بفعلهم هذا الأجرَ من الله تعالى : تذكر حديث المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم:
«من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ». رواه الشيخان. وقوله:
«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه.
تذكر هذين الحديثين، وتذكر ما قرره العلماء من أن جميع العبادات توقيفية، أي: لا نعبدُ الله ولا نتقرَّبُ إليه إلا بما أمرنا به صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه قال: «ما تركتُ شيئًا يُقرِّبُكم إلى الله إلَّا وأمرتُكم به» رواه الطبراني.
وقفة:
إن أرباب الموالد يقولون: إن المَولِد بدعةٌ حَسنةٌ.
إقرأ حديثَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الذي كان يردِّدُه ويفتتِح به خُطَبه، يقول:
«أمَّا بعدُ، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَديُ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكُلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكُلَّ ضلالةٍ في النارِ». رواه النسائي وغيره. قال: "كُل بدعةٍ ضلالةٌ".
وقول إمام دار هجرة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو عالم المدينة في عصره: الإمام مالك بن أنس رحمه الله، قال:
(من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أنَّ محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم خان الرِّسالةَ). قال الإمام مالك: (اقرؤوا إن شئتم قول الله تعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكونُ اليومَ دينًا).
متى قال الإمام مالك هذا الكلام؟ قاله في القرن الثاني من الهجرة؛ أحدِ القرون المفضَّلةِ المشهودِ لها بالخيرية، فما بالُكم بالقرنِ الخامسَ عشَرَ؟!
هذا كلامٌ يُكتب بماء الذهب، لكننا عن أقوال الأئمة الذين نزعم أننا نقتدي بهم غافلون!
سبحان الله!
أمرٌ لم يفعَلْه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم، ولا إمامٌ من الأئمة الأربعة المتبوعين،
لسنا بحاجة إلى احتفاء أو عزاء، إنما نحن بحاجةٍ إلى اتباعٍ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
إنَّ احتفالي الحقيقي هو أن أسير على خُطاه صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن أُحييَ سُنَّته، وأن أدافِعَ عنها, وأن أُحِبَّه وأحبَّ آلَ بيته الطيبين الطاهرين، وصحابتَه الغُرَّ الميامين.
مسك الختام:
أ- يجب على الأمة المسلمة أن تجعل سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نُصبَ أعينها في كل حين، وأن تتعلم من سيرته وسُنَّته وآدابه ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.
ينبغي أن نذكُر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاتنا، وإذا سمعنا الأذان، وإذا دخلنا المسجد، ونذكره في أوقات كثيرة، بل يكون ذِكرُه صلَّى الله عليه وسلَّم برؤية من يمتثل سُنَّته صلَّى الله عليه وسلَّم.
ب- أن تملِكَ محبَّتُه صلَّى الله عليه وسلَّم شَغافَ قُلوبنا، وكل أمر من أمورنا نَزِنُه بميزانه، ونطبِّقه على سُنَّته صلَّى الله عليه وسلَّم، فيكون تذكُّرنا له في الحقيقة في كل وقت، وفي كل عمل.
ج- في كل أمر من الأمور نحن مُلزَمون باتِّباع هَدْيِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
اللهمَّ إنا نُشهدك يا الله بأنَّنا نحبُّ عبدَك ونبيَّك سيدَنا محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم، اللهم ارزقنا بمحبَّتِنا له شفاعةً تنجينا بها من عذاب أليم، وتُدخِلُنا بها جنَّتك يا ربَّ العالمين.
منقول بتصرف.
وصلَّ اللهم على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آلِ محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد.
اعتذر على الاطالة.
رابط رائع
لماذا لا احتفل بذكرى المولد النبوي