(رائعة اقرؤوها)
*******
سن الله سبحانه وتعالى سننا كونية وسننا دينية، وربط بينهما برابط، وجعل الانسان هو ذلك الرابط بين السنن الكونية والدينية.
فمثلا: طلوع الشمس من المشرق وسيرها واستواؤها في كبد السماء، ثم سقوطها ناحية المغرب سنة كونية، ارتبطت هذه السنة بسنة شرعية وهي الصلاة:
- فطلوع الفجر علامة على صلاة الفجر.
- واستواء الشمس علامة على صلاة الظهر.
- وسقوطها علامة على الصلاة العصر.
- وغروبها على صلاة المغرب.
- وغياب آخر ضوءها الباقي علامة على صلاة العشاء.
وكان الرابط بينهما هو المسلم الذي يترقب هذه الأوقات ليقيم عبادته فيها، ومثله سير القمر وعلاقته بدخول الشهر وخروجه، وارتباط الصوم والحج والعدة والنذر والإيمان به.
فالسنة الكونية وهي: الحوادث التي تحدث في الكون. لاتنفك عن الانسان، كما أن السنة الدينية وهي: أوامر الله تعالى. إنما شرعت للإنسان، فالله تعالى أمر الإنسان بأوامر، وقدّر في هذا الكون حركات وحوادث، تعمل على خدمته، كما رأينا:
فالشمس والقمر تخدم الإنسان في مصالحه الدينية والدنيوية، والهواء المتحرك، والماء النازل، والنبات الخارج، والحيوان الناتج، كل هذه الأشياء من خلق الله تعالى خلقها الله لتخدم الإنسان، وينتفع بها، وتعينه على إقامة أوامر الله، فالصلاة لابد لها من طهارة، والماء هو الطاهر والمطهر، والإنسان لابد له من طعام حتى يستطيع القيام بالعبادة، والنبات الخارج من الأرض ولحوم الحيوان هي قوته.
إذاً عرفنا أن هذه الثلاثة الأركان مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا لاينفك عنه، وهي : السنة الكونية، والشرعية، والإنسان.
فلو تخلفت أحدى هذه الأمور لم تتحقق عبادة الله، فلو أن أحداث الكون اختلفت فما عدنا نرى شمسا ولاقمرا كيف نصلي ونصوم ونحج؟، سنعاني ولاشك.. ولو أن الله لم ينزل كتبا ولم يرسل رسلا كيف نعبده؟.
غرضنا مما سبق:
أن نبين أن الانسان مرتبط بالكون وبالشرع ارتباطا لاينفك معه، فهو مطالب بالطاعة وترك المعصية، وهذا معلوم بيّن لايخفى، أما الذي قد يخفى على بعض الناس أن الإنسان كذلك ليس منفكا عن حوادث الكون، بل له علاقة بكل ما يحدث في الأرض، من خير أوشر، فإذا عمل بالشرع وأطاع الله تعالى جرت السنة الكونية بغير اختلاف ولاتبدل:
فالشمس تجري في طريقها، تطلع من الشرق، وتغرب من الغرب، فلا تتغير، والقمر يبدأ هلالا أول الشهر، ثم يتم في وسط الشهر، ويتراخى في آخره، فلا يتغير، والماء ينزل نافعا صيبا غدقا، ويطيب الهواء، والأرض تخرج بركاتها، ويعيش الانسان بأمن وراحة، لايشكو كوارث ولا فياضانات ولابراكين ولازلازل ولا خسوف أو كسوف ولارياح ولا أعاصير، لماذا؟..
لأنه عمل بطاعة الله، ولم يخالف سنة الله الشرعية، فأقام شرع الله في نفسه، وفيما ولي، ولم يرتكب المحرمات، فسالمته سنة الكون بأمر الله تعالى.
أما من حين يخالف سنة الله الشرعية، فيفتري على الله، ويبتدع في دين الله ما لم يشرعه، ويركب المعاصي والفجور، ويظلم ويطغى، فإنه حينئذ يفتح باب الشر على نفسه وعلى من حوله، لأنه بذلك يعادى سنة الله الشرعية وحكمه وأمره ويخالفها، وإذا خالف شرع الله، خالفته سنة الله الكونية، فهي من خلق الله، وهي تعبد الله فلا ترضى أن يعصى الله فلا تعد تجري بما ينفعه، ولا تعد تسالمه، بل تعاديه بأمرالله، فيحدث الزلزال والبركان والفيضان والإعصار والخسوف والكسوف، وتمسك الأرض خيراتها، ويصيبها القحط، وتمسك السماء بركتها.
فهذه قاعدة مهمة:"ما يصيب الناس من كوراث يسمونها طبيعية فإنما سببه مخالفة الناس لأوامر رب العالمين"..
يقول سبحانه:
- {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}..
- {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
- {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.
فما يصيب الانسان في خاصة نفسه وأهله من مصائب، فسببه التعدي على حدود الله والتجاوز إلى المحرمات، وما يصيب الناس من مصائب عامة، فسببه مجموع معاصيهم وتعديهم على حدود الله، لعلهم يتذكرون ويرجعون، لذلك من الخطأ الشنيع أن نربط هذه الأحداث الكونية من خسوف وفيضانات وزلازل ونحوها بالطبيعة، ونفسرها تفسيرا علميا محضا، ولانربطها بالمعاصي والمخالفات، وأن لا نقول للناس: لما خالفتم أمر الله، خلف الله عليكم أمر دنياكم فقلبها وأفسدها عليكم، يقول سبحانه:
- {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
إذا اتبع الناس أوامر الله، وقاموا بحدود الله، سالمتهم المياه والهواء والأرض والحيوانات والسباع والحيات، وهذا ثابت في الصحيح أن عيسى إذا نزل في آخر الزمان، ينشر الالإسلام، ولايقبل الجزية، فلايبقى في الأرض إلا مسلم، وحين ينتشر الإسلام في الأرض يزول الشر، ولايبقى بين اثنين شحناء ولابغضاء، ويلعب الصغار بالحيات والعقارب فلاتضرهم، وتخرج الأرض بركاتها، حتى يكفي عنقود العنب والرمانة الواحدة الجماعة من الناس، ويبارك الله في اللبن حتى تكفي القبيلة:
- (فيقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك،. فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك الله في الرِسل، حتى إن اللحقة من الإبل لتكفي الفآم من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم الفخذ من الناس) (مسلم كتاب الفتن باب ذكر الدجال)
- ( وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لاتضرهم) (مسند أحمد 2/406)
- روى أولوا التاريخ أن البهائم كانت في عهد عمر بن عبد العزيز ترعى في مرعى واحد، لايعدي الذئب على الغنم ولا الأسد على البقر، ففي ليلة عدى ذئب على غنم، فقال الراعي: " إنا لله، ما أرى الرجل الصالح إلا هلك"، فنظروا فإذا هو مات في تلك الليلة.. البداية والنهاية (9/203)
- وكان سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ عرض له أسد، فقال: " يا أبا الحارث، إنا سفينة مولى رسول الله"، فهز الأسد ذنبه، وسار معه يحرسه حتى أوصله المعسكر ثم انصرف (سير أعلام النبلاء 3/173).
- وأنكر أحد الصالحين على أحد الخلفاء وأمره بالمعروف، فأمر به فألقي بين يدي الأسد، فكان الأسد يشمه ويحجم عنه، فلما رفع سئل فقال: " لم يكن علي بأس، قد كنت أفكر في سؤر السباع واختلاف العلماء فيه: هل هو طاهر أم نجس؟" البداية والنهاية 11/185
فهؤلاء لما تنقوا وتطهروا وسالموا شرع الله ولانوا لأمر ربهم، لانت لهم هذه السباع، وأحبتهم الكائنات من حولهم، فلم يجدوا منها أذى ولا شرا ..
ألا نحب أن نكون مثلهم؟.
منقول