منقول للفائدة
(القمر الدموي؛ المسجدان الحرام والأقصى ومخططات الأشرار)
لم تكن في زمن من الأزمان، ولا في مكان من الأمكنة العلاقة وثيقة جدًّا بين السياسية وبين النبوءة كما هو حاصل في أيامنا هذه في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث السياسيون فيها يؤمنون بالنبوءات، والمتنبئون فيها لهم تأثير سياسي بارز على صانعي القرار في أمريكا.
تقول الكاتبة الأمريكية "غريس هالسل" في كتابها "يد الله؛ لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟": (في الستينيات كنت أعمل كاتبة في البيت الأبيض عندما انفجرت إحدى حروب الشرق الأوسط؛ حرب حزيران 1967. لم أكن أعرف الكثير عن الشرق الأوسط خارج قصص العهد القديم. ومع وصول الرئيسين "جيمي كارتر" و"رونالد ريغان" إلى سدة الرئاسة أصبح يتردد على مسامعي مزيد من الكلام عن "هرمجيدون" وعن الولادة الثانية "للمسيح"، وبمزيد من التأكيد عن أولئك الذين يمكن أن يجربوا السعادة المطلقة أو النشوة الدينية).
فها هو الرئيس السابق "جيمي كارتر" يقول: (إن إقامة إسرائيل في العام 1948 يعني العودة أخيرًا إلى أرض الميعاد، التي أخرج منها اليهود منذ مئات السنين.. إن إقامة الأمة الإسرائيلية هو تحقيق للنبوءة التوراتية والتنفيذ الجوهري لها).
وأما الرئيس "رونالد ريغان" فكان من أشد المتحمسين لنبوءة معارك آخر الزمان. ولقد بنى تصورهُ المستقبلي وسياسته وفقًا لهذه القناعات. وقد اشتهر عنه القول: (ربما نكون نحن الجيل الذي سوف يرى هرمجيدون).
أما معركة "هرمجيدون" هذه التي يؤمن الأصوليون الإنجيليون في أمريكا، وكان "ريغان" واحدًا منهم فإنها معركة آخر الزمان، التي سيقودها المسيح في مواجهة قوات الشر (المقصود المسلمين طبعًا)، والتي ستدور رحاها في الشرق الأوسط، وتحديدًا في فلسطين وفق نبوءاتهم. وكل ذلك دفاعًا عن اليهود (الإخوة الكبار) وفق قناعة بابا روما السابق وتصريحاته؛ هذه المعركة التي سيقتل فيها الملايين، كما يعتقدون.
إن ما دفعني إلى كتابة هذه السطور أنه في تاريخ 2015/4/4 كتبت الصحف ووسائل الإعلام عن ظاهرة القمر ليلة البدر في ذلك التاريخ، حيث اتخذ البدر لونًا يميل إلى الحمرة، فسُمي في تلك الحالة بـ"القمر الدموي"، بسبب اللون الأحمر؛ لون الدم الذي يظهر فيه القمر. ولقد كتبت الصحف ووسائل الإعلام الغربية يومها أن هذه الحالة ستكرر في هذه السنة يوم 2015/9/28، وأن القمر سيكون ليلتها في حالة البدر، وسيكون أحمر اللون مثل الدم لكن بزيادة بارزة عن ظهوره يوم 2015/4/4. ولكن اللافت يومها والذي جعلني أتابع ما قيل، ما نقل واقتبس عن أحد القساوسة والكهنة الأمريكين المشهورين من الأصوليين الإنجيلين، والذي قال: (سيتزامن ظهور القمر الدموي يوم 9/28 مع حدث كبير سيهز الشرق الأوسط ويغير معالمه، وإن لون القمر الأحمر هو إشارة إلى ما سيسفك من دماء نتيجة ذلك الحدث)!!
لا يمكن أبدًا التعامل مع هذه الأقوال والتصريحات باعتبارها مجرد نبوءات دينية دموية، بمعزل عن الخلفية السياسية. وإلا فما سر اختيار صاحب النبوءة لمنطقة الشرق الأوسط تحديدًا، من دون الكرة الأرضية كلها، لتكون هي مسرح الأحداث؟ وهل هذه النبوءات معزولة وليس لها أي ارتباط بما يعتقده اليهود من ضرورة بناء الهيكل المزعوم، الذي يجب أن يسبق بناؤه نزول المسيح المخلص في نسخته اليهودية، وبما يعتقده أولئك الإنجيليون الأصوليون في أمريكا، والذين يعتبرون دعمهم ووقوفهم إلى جانب إسرائيل مهما وضروريا ليس حبًا في اليهود، ولكن لاعتقادهم أن المسيح في نسخته المسيحية لن ينزل إلى الأرض إلا في دولة الشعب اليهودي، فأصبح بقاء إسرائيل حتميا من أجل أن ينزل المسيح فيها، وإلا فإن عدم دعمها والوقوف إلى جانبها يعني زوالها. وهذا معناه عدم عودة المسيح إلى الأرض وتلاشي عقيدة ما يسمى بالولادة الثانية.
لذلك فإن من حقي أن أسأل، بل إنه السؤال البدهي: هل ما تمارسه الحكومة الإسرائيلية الحالية من ممارسات بحق المسجد الأقصى المبارك، وهذا التصعيد غير المسبوق، والاقتحامات ومنع المسلمين من دخول مسجدهم، والسعي إلى تقسيم المسجد زمانيًا ومكانيًا هو تمهيد للخطوة الأخيرة والحاسمة، وهي هدم الأقصى وقبة الصخرة من أجل بناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه؟! وهل عرف هذا القسيس الأمريكي صاحب العلاقة المميزة مع إسرائيل دلالة هذا التحرك الإسرائيلي؟ وهل الإعلان عن اقتحامات للمسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية دون مراعاة لموقف ورد فعل كل العرب والمسلمين؛ قادة وشعوبا، مردُه إلى أن المؤسسة الإسرائيلية مدعومة أمريكيًا تدرك أن ما يمر به الوطن العربي هو أفضل فرصة لتنفيذ هذه النبوءات والقناعات بما يضمن عدم وجود أي رد فعل، نتيجة حالة التمزق التي يعيشها الوطن العربي، وللحرب السافرة التي تقودها الأنظمة على شعوبها عمومًا وعلى المشروع الإسلامي بشكل خاص؟!
وبقول أوضح؛ هل الحدث الذي سيهز الشرق الأوسط ويغير معالمه، والذي سيتزامن مع ظهور القمر الدموي يوم 9/28 هو اعتداء على المسجد الأقصى المبارك وتفجيره وهدمه، خاصة وأن هذا التاريخ هو يوم بداية "عيد المظلة" عند الشعب اليهودي، وهو الذي سبق وأعلن عنه ضمن قائمة اقتحامات المسجد الأقصى خلال موسم الأعياد: عيد رأس السنة العبرية يوم 9/13 وعيد الغفران يوم 9/23 وعيد المظلة خلال أسبوع كامل يبدأ من 9/27 وينتهي يوم 2015/10/5 ؟
إنني اذهب بتساؤلاتي إلى أبعد من هذا بكثير، لأن سوء الظن في هذه الحالة هو المطلوب، إذ أن هؤلاء هم كتلة من الشر في الحقيقة، وإنهم لا يرقبون فينا إلًّا ولا ذمة، وإن السياسة الأمريكية في منطقتنا قد انكشفت سوأتها وظهرت لمن كان لا يزال يجهل هذه السياسة من أنها عدوة للإسلام والمسلمين. وظهر ذلك جليًا في موقفها من الانقلاب في مصر ومن دعمه، وفي موقفها من ثورة الشعب السوري وعدم السعي لإسقاط بشار الأسد، لعلمها أن البديل لن يكون إلا إسلاميًا. وكذلك الحال في العراق وقد سلمتها على طبق لإيران (عدوها الأكبر المفترض)، وكل ذلك إرضاءً لعيون تل أبيب، من أجل أن تعيش في جوار غير معادٍ لها يضمن بقاءها وعدم زوالها ضمانًا لعودة المسيح المخلص في نسخته النصرانية، والذي هو المسيح المخلص (الدجال) في نسخته اليهودية.
نعم؛ إنني أتساءل: هل الحدث الذي سيغير وجه المنطقة ويهز الشرق الأوسط بتداعياته متزامنًا مع ظهور القمر الدموي ليلة 10 ذي الحجة وفق 2015/9/28 لن يكون في القدس والأقصى وإنما سيكون في مكة المكرمة والحرم المكي الشريف؟ هذا ليس مجرد سؤال، ولكنه في الحقيقة تخوفٌ نابع من الخبر الذي نشره الموقع الألكتروني "ديبكا" الإسرائيلي، والمقرب وفق تخصصه من الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية. هذا الخبر الذي نُشر مساء يوم الخميس 2015/9/10 والذي يقول إن مشاورات حثيثة تجري بين جهات استخبارية سعودية ونظيرتها الأمريكية لدراسة احتمالات تنفيذ تنظيم "داعش" تفجيرات عنيفة خلال موسم الحج القريب في مكة المكرمة ومشاعر الحج.
إنهم يتحدثون عن احتمال استغلال "داعش" وجود العدد الكبير من المسلمين خلال موسم الحج، وإمكانية تنفيذ هذا العمل لضرب النظام في السعودية، خاصة وأنهم سبق وفجروا ثلاثة مساجد في السعودية خلال الشهرين الماضيين ما أدى إلى سقوط 53 قتيلًا، في إشارة إلى أنه لا مشكلة عند "داعش" في استهداف المساجد، وفي التالي فإن الإمكانية واردة -وفق قولهم- لاستهداف المسجد الحرام والحجاج فيه بهدف زعزعة النظام السعودي الحاكم.
لا يمكن أبدًا المرور عن هذا الخبر مرور الكرام، دون أن نقرأ مدلولاته، ومن يقف خلفه! فالخبر صادر عن موقع أمني استخباري إسرائيلي، ويتحدث عن اجتماع لرجال استخبارات أمريكيين وسعوديين، حيث العلاقة وثيقة جدًا بين هذين الجهازين. وفي نفس الوقت فإنه لا يمكننا تجاهل حقيقة سلوك تنظيم "داعش" وموقفه من النظام السعودي، الذي يشارك في تحالف دولي لضرب التنظيم في سوريا والعراق، مع وجود الخلفية في الفهم المشوه للإسلام عند تنظيم "داعش" تصل حد استهداف المساجد، زيادة على تماديهم في تحليل سفك الدماء؛ بدءًا من كل من لا يوافقهم الرأي من المسلمين، وانتهاءً عند المسالمين وغير المحاربين من غير المسلمين.
ولعلنا نتساءل عن توقيت تصريح الرئيس الروسي "بوتين"، يوم الثلاثاء الأخير، عن علمه أن "داعش" له خطط لاحتلال مكة والمدينة وفق زعمه. إن حديث "بوتين" ليس حديث المتنبئ، وإنما حديث من له استخبارات هي من بين الأقوى في العالم. فكيف ومن أين لـ"بوتين" الحديث عن مكة والمدينة و"داعش"؟! إنه حديث الأشرار وفعل الأشرار.
وفي المقابل نرى ما يجري في اليمن من انقلاب الحوثيين، المدعومين إيرانيًا بالسلاح والمال والرجال، وسيطرتهم على العاصمة صنعاء وكثير من الأراضي اليمنية، حيث اعتبرت السعودية ذلك التصعيد خطرًا مباشرًا عليها في ظل اقتراب إيران إلى حدودها عبر نفوذها في اليمن.
ولقد أدى ذلك الانقلاب من الحوثيين وعلي عبد الله صالح؛ ابن السعودية المدلل سابقًا، إلى تشكيل تحالف عربي قادته السعودية لإسقاط الحوثيين، بدأ بتدخل عسكري وقصف بالطيران منذ نهاية آذار / 2015، ويتطور الآن على شكل تدخل بري بتشكيلات عسكرية عربية، الثقلُ فيها للسعودية، ولكنها الحرب التي لها تداعيات خطيرة، لأنها حتمًا لن تتوقف عند حدود اليمن.
ولقد صرح زعماء الحوثيين، بل وهددوا بضرب العمق السعودي؛ جدة والعاصمة الرياض، باستخدام صواريخ بعيدة المدى موجودة لديهم. لكن التخوف الأكبر يكمن في إمكانية أن يطال التهديد الحوثي مكة المكرمة والحرم الشريف، خاصة وأن لهذه الجماعات الشيعية المتطرفة تاريخا حافلا. فجماعة القرامطة الشيعية هم الذين اقتحموا مكة المكرمة وذبحوا الحجاج، بل وسرقوا الحجر الأسود وبقي عندهم مدة أربعين سنة، وكان ذلك في يوم التروية من موسم الحج في العام 317 للهجرة، وفق 908 ميلادية. قال الشيخ محمد الخضري في صفحة 253 من كتابه "تاريخ الأمم الإسلامية" في بيان جرائم القرامطة الشيعة: (وفي سنة 317 فعل أبو طاهر الجنابي ما هو أشنع وأدهى، وذلك أنه سار بجنده إلى مكة فوافاها يوم التروية، فلم يرع حرمة البيت الحرام، بل نهب هو وأصحابه أموال الحجاج وقتلوهم حتى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه، وقلع الحجر الأسود وأنفذه إلى عاصمته "هجر"، فخرج إليه أمير مكة في جماعة الأشراف فسألوه في أموالهم فلم يشفعهم، فقاتلوه فقتلهم أجمعين، وقلع باب البيت وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام، حيث دفنوا بغير غسل ولا كفن ولا صلى عليهم أحد، وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه ونهب دور أهل مكة).
إنه إذن التخوف الذي يتدارس احتمالات وقوعه رجال استخبارات سعوديون وأمريكيون بإمكانية وقوع تفجيرات في موسم الحج القريب. ويكون السؤال: هل سينفذ ذلك تنظيم "داعش" أم جماعة الحوثيين؟ ومع أن كلا التنظيمين على عداء شديد وتناقض سافر، لكنهما يلتقيان في عدائهما للأسرة السعودية الحاكمة؛ كلٌ من وجهة نظره.
إنه القمر الدموي الأحمر الذي ينتظر قساوسة أمريكا ظهوره القريب، وأنه سيتزامن مع حدث يهز الشرق الأوسط، كما قال ذلك القسيس الشرير المتنبئ. فهل هذه مجرد نبوءة أم أنها مرتبطة بالسياسة بقوة؟ ذلك أن التغيرات التي تحدث عنها صاحب النبوءة ستطال الشرق الأوسط كله بما يضمن سرعة نزول مسيحهم المخلص الذي سيقضي على الأشرار (المسلمين). فهل الحدث المرتقب هو تفجيرات في المسجد الأقصى تنفذه جماعات يهودية إجرامية ترى أن الظرف السياسي مناسب جدًا بما يضمن عدم وجود ردة فعل عربية وإسلامية؟ أم أنها تفجيرات في المسجد الحرام وفق تخوفات الاستخبارات السعودية والأمريكية تنفذها "داعش" أو الحوثيون، أو بعض جماعات متطرفة تابعة لبعض الجماعات الشيعية الطائفية الحاقدة في العراق، والتي كتب وتحدث عنها قبل شهر الكاتب الإسلامي الكويتي المعروف عبد الله النفيسي، من أنها تجتمع جنوب العراق لإمكانية التقدم من هناك نحو الحدود السعودية، وهي تأتمر بمرجعيات دينية غاية في الحقد والتطرف، تزعم أنها تريد تطهير مكة والمدينة؟ لكن أيًا كانت اليد المجرمة التي ستمتد لضرب قدس أقداسنا؛ سواءً في مكة أو القدس، فهي حتمًا ستقود إلى حدث عالمي غير عادي.
إذا كان هؤلاء الأشرار ينتظرون القمر الدموي بلون الدم، لأن سلوكهم هو الإجرام والقتل وسفك الدماء، فإننا نحن المسلمين نرى القمر ليلة البدر رمزية تومئ إلى التمام والوضوح والاستبشار والنفس المطمئنة بالإيمان. وإذا كان هؤلاء ينتظرون حالة خسوف القمر علها تحقق لهم بعض أحلامهم السوداء، فإننا نحن وبإذن الله في انتظار تألق البدر وضياء الشمس. إنه بدر الإسلام وشمسه الوضاءة، ليس على المسلمين وحدهم وإنما على العالمين والناس أجمعين.
أيها الأشرار! سيظل المسجد الحرام وشقيقه المسجد الأقصى شوكة في حلوق الحاقدين من أمثالكم ومثلهم من المتنطعين من أصحاب الفهم الأعوج والمسيء للإسلام. ومن هناك من تحت القبة الخضراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة سيظل إشعاع الخير والأمل للعالمين.
إننا ننظر إلى المستقبل ليس بعيون المتنبئين ولا بخطط السياسيين، ولكن بوعد رب العالمين: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا).
اللهم احفظ المسجد الحرام والمسجد الأقصى من كيد الكائدين والمتربصين من الأعداء وأعوانهم وعملائهم. اللهم عجل بالفرج والنصر والفتح المبين يا رب العالمين.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)