الشجرة الطيبة
عضو
- إنضم
- 30 نوفمبر 2014
- المشاركات
- 4,420
- التفاعل
- 26,638
- النقاط
- 122
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهأي واحد يشوف واحدة سايقة في الشارع فليسمعها ما يؤذيها ويضيق عليها
أخي الكريم إسلام
ما قلته يعد اندفاع عاطفي غير مدروس ، وانفعال وقتي من دون استبصار ، وحماس أهوج يورط فاعله في أعمال تضر ولا تنفع ، فليس هذا من المصلحة في شيء، بل مفسدته راجحة، وضرره ظاهر بيّن... لما يتضمنه من هتك للحرمات ، وتكثير للمنكرات ، وانتهاك للخصوصيات ، والتسبب في إهانة أهل الخير والدعاه إلى الله ... الخ مما هو أعظم بكثير مما يُرجى من إزالته من منكر .
ومن تسبب في ذلك فإنه مأزور غير مأجور، ولا يغني عنه حسن قصده وسلامة نيته، وإرادته للخير، فكم من مريد للخير لم يبلغه، ولا بد مع سلامة القصد من سلامة العمل، وأن يكون على وفق الشرع، ولا يكون العمل مقبولًا عند الله تعالى يثاب عليه صاحبه حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وليس من الحكمه أن نؤذي الناس ونعتدي عليهم في الطرقات حتى ولو كانوا عصاه .
فمن المعلوم شرعاً أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما شرعا لجلب المصالح ودرء المفاسد ، وهذه قاعدة جليلة مشهورة، تدور عليها جميع أحكام الشريعة، فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يفوّت مصلحة أكبر من مصلحة القيام بهما، أو يجلب مفسدة أكبر من مفسدة تركهما، كان الأمر والنهي في هذه الحال حرامًا، لأنه يناقض الحكمة التي شرعا من أجلها. وعليه ... فإنه يحرم إنكار المنكر إذا كان يستلزم ما هو أنكر منه
ورحم الله ابن القيم عندما قال في كتابه ( إعلام الموقعين ) : " إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: (لا، ما أقاموا الصلاة) . وقال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعنّ يدًا من طاعته» .
ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها. بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام، عزم على تغيير البيت وردّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر. ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه.
إنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة.
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله، كرمي النّشّاب. وسباق الخيل ونحو ذلك. وإذا رأيت الفسّاق قد اجتمعوا على لهو ولعب، أو سماع مكاء وتصدية. فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيرًا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك، فكان ما هم فيه شاغلًا لهم عن ذلك. وكما إذا كان الرجل مشتغلًا بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها، انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر، فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع. "