الله يجزيكم الخير اخوتي وبارك فيكم ، بصراحة الحديث الذي سألتُ عنه انا اطبقه وقد كنت احاول تعليمه لقريبتي فقالت (لايمكن ان يكون هذا الحديث صحيحا لانه غير عادل فممكن يوجد مسلم لايصلي لكنه يردد هذا الدعاء بعد كل وجبة اكل فهل يغفر الله ماتقدم من ذنبه؟!!)
فما قولكم والسلام عليكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختلف اهل العلم في دخول الكبائر ضمن ما تكفره الأعمال الصالحة على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب، وأما الكبائر فلا تُكَفَّر بمجرد فعل الأعمال الصالحة، بل لا بد من التوبة بشروطها حتى تُكَفَّر. نيل الأوطار 3/ 57.
قال القاضي عياض: [هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرةٌ، هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 446. وانظر نيل الأوطار 3/ 57.
وقال الإمام ابن العربي المالكي: [الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى) عارضة الأحوذي 1/ 13.
وقال الحافظ ابن عبد البر: [وقال بعض المنتمين إلى العلم من أهل عصرنا: إن الكبائر والصغائر يكفرها الصلاة والطهارة واحتج بظاهر حديث الصنابجي هذا وبمثله من الآثار وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فما ترون ذلك يبقى من ذنوبه)، وما أشبه ذلك.
هذا جهل بيِّن ومواقفه للمرجئة فيما ذهبوا إليه من ذلك، وكيف يجوز لذي لب أن يحمل هذه الآثار على عمومها، وهو يسمع قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) سورة التحريم الآية 8، وقوله تبارك وتعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور الآية 31 في آي كثير من كتابه.
ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفرة للكبائر والمتطهر المصلي غير ذاكر لذنبه الموبق ولا قاصد إليه ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه ولا خطرت خطيئته المحيطة به بباله لما كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنى، ولكان كل من توضأ وصلى يُشهَدُ له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر وهذا لا يقوله أحد ممن له فهم صحيح.
وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرض والفروض لا يصح أداء شيء منها إلا بقصد ونية واعتقاد أن لا عودة، فأما أن يصلي وهوغير ذاكر لما ارتكب من الكبائر ولا نادم على ذلك فمحال وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الندم توبة)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن من الخطايا ما لم تغش الكبائر).
وعن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما لمن اجتنب الكبائر).
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: [الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر].
عن طارق بن شهاب سمع سلمان الفارسي - رضي الله عنهم - يقول: [حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارة هذه الجراح ما لم تصب المقتلة].
عن سليمان بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أحدثكم عن يوم الجمعة؟ لا يتطهر رجل ثم يأتي يوم الجمعة فيجلس وينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت له كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة مااجتنبت الكبائر).
عن سلمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أحدثك عن يوم الجمعة؟ من تطهر وأتى الجمعة حتى يقضي الإمام صلاته كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها ما اجتنبت المقتلة).
وهذا يبين لك ما ذكرنا ويوضح لك أن الصغائر تكفر بالصلوات الخمس لمن اجتنب الكبائر فيكون على هذا معنى قول الله عز وجل: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سورة النساء الآية 31 الصغائر بالصلاة والصوم والحج وأداء الفرائض وأعمال البر، وإن لم تجتنبوا الكبائر ولم تتوبوا منها لم تنتفعوا بتكفير الصغائر إذا واقعتم الموبقات المهلكات والله أعلم.
وهذا كله قبل الموت فإن مات صاحب الكبيرة فمصيره إلى الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإن عذبه فبجرمه وإن عفا عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة وإن تاب قبل الموت وقبل حضوره ومعاينته وندم واعتقد أن لا يعود واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب، وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت وعليه جماعة علماء المسلمين، ولو تدبر هذا القائل الحديث الذي فيه ذكر خروج الخطايا من فمه وأنفه ويديه ورجليه ورأسه، لعلم أنها الصغائر في الأغلب ولعلم أنها معفو عنها بترك الكبائر دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (العينان تزنيان واليدان تزنيان والفم يزني ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه) يريد والله أعلم أن الفرج بعمله يوجب المهلكة وما لم يكن ذلك فأعمال البر يغسلن ذلك كله وقد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب لولا قول ذلك القائل وخشيت أن يغتر به جاهل فينهمك في الموبقات اتكالاً على أنها تكفرها الصلوات الخمس ودون الندم عليها والاستغفار والتوبة منها والله أعلم ونسأله العصمة والتوفيق] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ الإمام مالك 1/ 354 - 357.
وجاء في المعيار المعرب: [وسئل بما نصه سيدنا الشيخ حجة الإسلام أبو محمد عبد العزيز الفضل في أن يبين ما جهله بعض الفقهاء من جوابه للسائل: هل تسقط عن الحاج حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين أم لا؟
فأجاب: بأن ذلك لا يسقط فقال المعترض: أما حقوق الآدميين فلا تسقط وأما حقوق الله تعالى فالله يغفرها فإن هذا سدَّ بابَ الرحمة عن العباد وذلك يؤدي إلى أن لا يحج أحد. وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
(من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وذكر حديث يوم عرفة وتجاوز الله فيه عن الذنوب العظام، وأن الله يسامح عباده في حقوقه بخلاف حقوق العباد وقال: بدليل أنه أسقط عن العبد الجمعة، لأنه في خدمة سيده. وبدليل الحديث: (إن الظلم ثلاث: ظلم لا يغفره الله تعالى، وظلم لا يتركه الله، وظلم لا يعبأ به. فأما الظلم الذي لا يغفره الله فهو الشرك وأما الظلم الذي لا يتركه الله فهو ظلم العباد بعضهم لبعض وأما الظلم الذي لا يعبأ به فظلم العبد بينه وبين الله تعالى).
فأجاب: هذا المعترض جاهلٌ لا يفرق بين حقوق الله تعالى المقربة إليه الموجبة لثوابه وبين معصية الله المبعدة منه الموجبة لعقابه فإن حقوق الله تعالى هي الإيمان والإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والصدقات والكفارات وأنواع العبادات قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (حق الله عز وجل على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة).
وأما الذنوب فهي مخالفة الله تعالى ومعصيته فالحج يسقط ذنوب المخالفة ولا يسقط حقوق الله تعالى كالصلاة والزكاة وأشباههما. فما أجهل من جعل طاعة الله وإجابته ذنوباً تغفر وإنما المغفور المخالفة لا عين الحقوق فمن ترك الصلاة أو الزكاة أو غيرهما من الحقوق فالحج يكفر عنه إثم التأخير لأنه هو الذنب وأما إسقاطه لما استقر في الذمة من صلاة أو زكاة أو نذر فهذا خلاف إجماع المسلمين وحسبه بجهل من يخالف إجماع المسلمين.
ثم يزعم أن ذكر ما أجمعوا عليه سد لباب رحمة الله تعالى عن عباده منفر عن الحج ولو عرف هذا الغبي أن ذكر ما أجمع عليه المسلمون ليس بمنفر بل هو موجب للمحافظ على حقوق الله تعالى والخوف والوجل اللازم عن معصية الله تعالى ما زعم أنه تنفير ولو أفتى أحد من أهل الفتيا بأن الحج يسقط شيئاً من حقوق الله تعالى ثم يحج إسقاطاً لجميع حقوق الله تعالى فالذي يوجبه الحج الذي اجتنب فيه الرفث والفسوق، إنما هو إسقاط المعاصي والمخالفات وليست حقوق الله تعالى معصية ولا مخالفة حتى تندرج في الحديث فيخرج من هذا وجوب تعزير هذا الجاهل المحرف لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صريحه وما افتراه على ذلك حتى قال من زعم أن الحقوق لا تسقط بالحج كان مؤيساً للناس من الرحمة ويلزمها أن يكون المسلمون قد سدوا باب الرحمة لإجماعهم أن الحج لا يسقط حقوق الله تعالى فمن أخر الكفارات أو النذر أو الصلاة أو الزكاة أو الصوم على أوقاتها التي أوجبها الله تعالى فيها كان عاصياً بمجرد التأخير فتلك المعصية هي التي يكفرها الحج المبرور.
وأما إسقاط تلك الحقوق بالحج فهذا شيء لم ينقله أحد من أهل العلم وأضرها على المسلمين جاهل مثل هذا يقول ما لم يقله أحد من أهل الإسلام ثم يفتي أن ذكر ما أجمع عليه المسلمون سد لباب رحمة الله تعالى: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) سورة المجادلة الآية 18] المعيار المعرب 11/ 87 - 89.
وقال الزركشي: [وقال المحب الطبري في أحكامه اختلف العلماء في أن تكفير الصغائر بالعبادات هل هو مشروط باجتناب الكبائر على قولين: أحدهما نعم وهو ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - ما اجتنب الكبائر وظاهرة الشرطية فإذا اجتنت كانت مكفرات لها وإلا فلا].
وذكر ابن عطية في تفسيره أن هذا قول الجمهور وقال بعضهم لا يشترط والشرط في الحديث بمعنى الاستثناء والتقدير مكفرات ما بينهن الا الكبائر قال وهذا أظهر لمطلق حديث خروج الخطايا من أعضاء الوضوء مع قطر الماء.
واختلفوا في أن التكفير هل يشترط في التوبة ولعل الخلاف مبني على التأويلين فمن جعل اجتناب الكبائر شرطاً في تكفير الصغائر لم يشترط التوبة وجعل هذه خصوصية لمجتنب الكبائر ومن لم يشترطه اشترط التوبة وعدم الإصرار ويدل عليه حديث الذي قبل المرأة ثم ندم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة العصر كفرت عنه وكان الندم قد تقدم منه والندم توبة لكن ظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن التكفير كان بنفس الصلاة فان التوبة بمجردها تجب ما قبلها فلو اشترطناها مع العبادات لم تكن العبادات مكفرة وقد ثبت أنها مكفرات فسقط اعتبار التوبة معها.
والحاصل أن قوله ما اجتنبت الكبائر هل هو قيد في التكفير حتى لو كان مصراً على الكبائر لم يغفر له شيء من الصغائر أو هو قيد التعميم أي تعميم المغفرة فعلى هذا تغفر الصغائر وإن ارتكب الكبائر والأقرب الثاني وإلا لم يكن لذلك تأثير في التكفير لأن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر بدليل قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ).
قال صاحب الإحياء: واجتناب الكبيرة إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع القدرة والإرادة ... ] المنثور 1/ 418 - 420.
القول الثاني: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب مطلقاً أي الصغائر والكبائر وهو قول ابن المنذر وابن حزم وجماعة من أهل العلم المتقدمين وبه قال العلامة الألباني والشيخ أحمد البنا من المتأخرين.
قال ابن رجب الحنبلي: [وذهب قوم من أهل الحديث وغيرهم إلى أن هذه الأعمال تكفر الكبائر ومنهم ابن حزم الظاهري وإياه عنى ابن عبد البر في كتاب التمهيد بالرد عليه وقال: قد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب لولا قول ذلك القائل وخشيت أن يغتر به جاهل فينهمك في الموبقات اتكالاً على أنها تكفرها الصلوات دون الندم والاستغفار والتوبة والله أسأله العصمة والتوفيق.
قلت: وقد وقع مثل هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه ووقع مثله في كلام ابن المنذر في قيام ليلة القدر قال: يرجى لمن قامها أن يغفر له جميع ذنوبه كبيرها وصغيرها] جامع العلوم والحكم ص 215.
وقال الحافظ ابن حجر: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (رجع كيوم ولدته أمه) أي بغير ذنب وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري] فتح الباري 3/ 482.
وقال الزركشي: [ونازع في ذلك صاحب الذخائر: وقال فضل الله أوسع وكذلك قال ابن المنذر في الإشراف في كتاب الاعتكاف في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) قال: يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها.
وحكاه ابن عبد البر في التمهيد عن بعض المعاصرين له، قيل يريد به أبا محمد الأصيلي المحدث إن الصغائر والكبائر يكفرها الطهارة والصلاة لظاهر الأحاديث] المنثور 1/ 417 - 418
وقال ابن مفلح: [ ... ونقل المروزي: بر الوالدين كفارة للكبائر، وفي الصحيحين أو الصحيح (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، قال ابن هبيرة: [فيه إشارة إلى أن كبار الطاعات يكفر الله ما بينهما لأنه لم يقل كفارة لصغار ذنوبه بل إطلاقه يتناول الصغائر والكبائر قال: وقوله (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أي زادت قيمته فلم يقاومه شيء من الدنيا.
وقوله (فلم يرفث ولم يفسق) أي أيام الحج فيرجع ولا ذنب له وبقي حجه فاضلاً له لأن الحسنات يذهبن السيئات] الفروع 6/ 183 - 184.
وقال الشوكاني: [إن الحسنات يذهبن السيئات، أي إن الحسنات على العموم ومن جملتها بل عمادها الصلاة يذهبن السيئات على العموم، وقيل المراد بالسيئات الصغائر، ومعنى يذهبن السيئات يكفرنها حتى كأنها لم تكن] تفسير فتح القدير 2/ 532.
وقال المباركفوري: [وتمسك بظاهر قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) المرجئة وقالوا إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة]. تحفة الأحوذي 8/ 425.
وقال الشيخ الألباني: [قال الإمام النووي: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا يغفر شيء من الصغائر فإن هذا وإن كان محتملاً فسياق الحديث يأباه.
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله والله أعلم.
قلت - أي الألباني -: هذا الحصر ينافي الاستفهام التقريري في الحديث الذي قبله (هل يبقى من درنه شيء؟) كما هو ظاهر، فإنه لا يمكن تفسيره على أن المراد به الدرن الصغير فلا يبقى منه شيء وأما الدرن الكبير فيبقى كله كما هو! فإن تفسير الحديث بهذا ضرب له في الصدر كما لا يخفى. وفي الباب أحاديث أخرى لا يمكن تفسيرها بالحصر المذكور كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وسيأتي إن شاء الله تعالى.
فالذي يبدو لي والله أعلم أن الله تعالى زاد في تفضله على عباده فوعد المصلين منهم بأن يغفر لهم الذنوب جميعاً وفيها الكبائر بعد أن كانت المغفرة خاصة بالصغائر ولعله مما يؤيد هذا قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سورة النساء الآية 31. فإذا كانت الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر فالفضل الإلهي يقتضي أن تكون للصلاة وغيرها من العبادات فضيلة أخرى تتميز بهاعلى فضيلة اجتناب الكبائر ولا يبدو أن ذلك يكون إلا بأن تكفر الكبائر والله تعالى أعلم.
ولكن ينبغي على المصلين أن لا يغتروا فإن الفضيلة المذكورة لا شك أنه لا يستحقها إلا من أقام الصلاة وأتمها وأحسن أدائها كما أمر وهذا صريح في حديث عقبة المتقدم: (من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمل). وأنى لجماهير المصلين أن يحققوا الأمرين المذكورين ليستحقوا مغفرة الله وفضله العظيم فليس لنا إلا أن ندعو الله أن يعاملنا برحمته وليس بما نستحقه من أعمالنا] صحيح الترغيب والترهيب ص140 - 141.