السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
الحلقة السادسة .
و على الرغم من مناداة البعض للانتباه للنواحي الروحية الدينية ، إلا أن الدين بقي مغيبا ، قال عثمان نجاتي القرآن و علم النفس ( ط 5 ؛ القاهرة : دار الشروق ، 1993 ) ، ص 269 – 270 .: " قال وليام جيمس ( William James ) الفيلسوف و عالم النفس الأمريكي : " إن أعظم علاج للقلق ، و لا شك , هو الإيمان " , و قال أيضا : " الإيمان من القوى التي لابد من توافرها لمعاونة المرء على العيش ، و فقده نذير بالعجز عن معاناة الحياة " ، و قال أيضا : " إن بيننا و بين الله رابطة لا تنفصل ، فإذا نحن أخضعنا أنفسنا لإشرافه ـ تعالى ـ تحققت كل أمنياتنا ، و آمالنا " ، و قال أيضا : " إن أمواج المحيط المصطخبة المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق , و لا تقلق أمنه ، و كذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله ، خليق بألا تعكر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة . فالرجل المتدين حقا عصيا على القلق ، محتفظ أبدا باتزانه ، مستعدا دائما لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من ظروف " .
و قال يونج كارل ( Jung Carl Gustav ) المحلل النفسي:" استشارني في خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضر ، و عالجت مئات كثيرة من المرضى... فلم أجد مريضا واحدا من مرضايا الذين كانوا في المنتصف الثاني من عمرهم ـ أي جاوزوا سن الخامسة و الثلاثين ـ من لم تكن مشكلته في أساسها هي افتقاره إلى وجهة نظر دينية في الحياة . و أستطيع أن أقول إن كل واحد منهم قد كان فريسة المرض لأنه فقد ذلك الشيء الذي تمنحه الأديان القائمة في كل عصر لأتباعها، و أنه لم يتم شفاء أحد منهم حقيقة إلا بعد أن استعاد نظرته الدينية في الحياة " .
و يقول أ. أ . بريل ( A.A.Brill ) المحلل النفسي : " إن المرء المتدين حقا لا يعاني قط مرضا نفسيا " .
و ذكر هنري لينك ( Henry Link ) العالم النفسي الأمريكي في كتابه " العودة إلى الإيمان " أنه وجد نتيجة خبرته الطويلة في تطبيق الاختبارات النفسية على العمال في عملية الاختيار المهني و التوجيه المهني ، أن الأشخاص المتدينين و الذين يترددون على دور العبادة ، يتمتعون بشخصية أقوى و أفضل ممن لا دين لهم ، أو لا يقومون بأية عبادة .
و قد أشار المؤرخ أرنولد توينبي ( Arnold Toynbee Joseph ) إلى أن الأزمة التي يعاني منها الأوربيون في العصر الحديث إنما ترجع في أساسها إلى الفقر الروحي ، و إن العلاج الوحيد لهذا التمزق الذي يعانون منه هو الرجوع إلى الدين ".
مما سبق من الأقوال ، و لتميزنا كمجتمع مسلم بثقافة و تراث و معايير و قيم شاملة ، تختلف عن الأمم السالفة الذكر وجب علينا إعادة النظر في تلك العلوم ، و إدخال عليها تعديلات تتماشى مع مجتمعنا ، و بيئتنا ، و ثقافتنا حتى تصبح متفقة و غير متعارضة مع تراثنا الإسلامي .
و لا يمكن للنفس أن تتزن إلا في إطار المصدرين الإسلاميين الأساسيين : القرآن الكريم و السنة الشريفة ، و كذلك لأن حاجة الناس إلى الشريعة الإسلامية أعظم من حاجاتهم إلى الطب .
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة و منشور ولاية أهل العلم و الإرادة ( ط 1 ؛ بيروت : دار ابن حزم ، 2003 ) ، ص 428 – 429 . : " حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء ، ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها ، ألا ترى أن أكثر العالم يعيشون بغير طبيب ، ولا يكون الطبيب إلا في بعض المدن الجامعة ، و أما أهل البدو كلهم وأهل الكفور كلهم ـ وعامة بني آدم ـ فلا يحتاجون إلى طبيب ، و هم أصح أبدانا و أقوى طبيعة ممن هو متقيد بالطبيب ، و لعل أعمارهم متقاربة .
و قد فطر الله بني آدم على تناول ما ينفعهم واجتناب ما يضرهم ، و جعل لكل قوم عادة و عرفا في استخراج ما يهجم عليهم من الأدواء ، حتى إن كثيرا من أصول الطب إنما أخذت عن عوائد الناس و عرفهم و تجاربهم ، و أما الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضا الله و سخطه في حركات العباد الاختيارية ؛ فمبناها على الوحي المحض . و الحاجة إلى الشريعة أشد من الحاجة إلى التنفس ـ فضلا عن الطعام والشراب ـ ؛ لأن غاية ما يقدر في عدم التنفس و الطعام و الشراب موت البدن وتعطل الروح عنه ، و أما ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة ، و هلاك الأبد .
وشتان بين هذا و هلاك البدن بالموت ، فليس الناس قط إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، و القيام به ، و الدعوة إليه ، و الصبر عليه ، و جهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه ، و ليس للعالم صلاح بدون ذلك البتة ، و لا سبيل إلى الوصول إلى السعادة و الفوز الأكبر إلا بالعبور على هذا الجسر " .
و سوف يتم تحديد معالم هذا المنهج في ثنايا هذه الدراسة التي نأمل أن تليها خطوات أخرى جبارة للحصول على دراسات أكثر شمولية في علم النفس .
يتبع
فيصل قريشي
.......
السلام عليكم