بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعل الكثير من رواد هذا المنتدى المبارك، وغيره من المنتديات المهتمة بأشراط الساعة والرؤى الصادقة المبشرة بظهور خليفة آخر الزمان المهدي، تتقاذفهم الكثير من الأسئلة حول ما هو آت؛ خصوصا الترتيب الكرنولوجي المستقبلي لأحداث آخر الزمان؛ ومن بينها من هو المهدي؟ وما إسمه؟ ومن أين يخرج؟ وما سنه؟ وهل اقترب زمان ظهوره؟ وهل هوقائد الملاحم أم فحسب مؤسس الخلافة؟ وهل سيعاصر أخطر فتنة منذ خلق الله عزوجل أدم ألا وهي فتنة الدجال أم لا؟ أيضا هل هو من سيصلي بعيسى نبي الله عليه السلام أم أمير آخر مهدي؟ لعل الكثيرين تراودهم هذه التساؤلات، وربما قد لا يقتنع البعض بما هو متداول من أراء فقهية إستنباطية حول المهدي رضي الله تعالى عنه، لأن ما صح بشأن المهدي جعل الأمر يبدو غامضا؛ وبالتالي فما هو متداول محظ إجتهادات لعلماءئنا؛ وبالتالي قد تصيب وقد تخطئ، ولله الكمال والتمام.
سأحاول أن أتبع الإستنباط العقلي للإجابة على بعض تلك الأسئلة؛ في إجتهاد قد أصيب فيه أو قد أخطئ؛ لكن للمناقشة فحسب...
النقطة الأولى: من هو المهدي؟ وما إسمه؟ ومن أين يخرج؟ وما سنه؟
فيما يخص مسألة الإسم والسن ومكان الخروج: فكما هو معروف ومتداول فإسم المهدي الموعود في آخر الزمان هو محمد ابن عبد الله، إنطلاقا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن إسم المهدي يواطئ إسم النبي صلى الله عليه وسلم، وإسم أبيه إسم أب النبي، وهذا ما أعتقده كذلك، على إعتبار أن فهم السلف للغة العربية كان بالطبيعة وصليقة، فهم أكثر وعيا بمعنى المواطأة التي لا زالت تثير في المنتديات شقاقا وإختلافا؛ حتى كثر المدعين للمهدوية؛ لكن هذا لا يعني أنه من الممكن أن يكون إسم المهدي إسما آخر يواطئ إسم النبي صلى الله عليه وسلم، وإسم أبيه إسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم؛ ؛ لأنه بالفعل نجد فعل يواطئ لا يعني بتاتا فعل يطابق، بل يعني يناصر أو يساعد أو يؤيد أو يوافق حسب المعاجم، (ومن ذلك نقول مثلا أن هذه الرؤيا تواطئ عدة رؤى في أن الحدث الفلاني سيحدث بقوة عما قريب، وهذا لا يعني أن أصحاب الرؤى شاهدوا نفس الرؤيا بتمام تطابقها وتفاصيلها، بل فقط توافقت رؤاهم في المعنى)....وعليه فإسم المهدي قد يكون إسما يوافق إسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من الكنى التي كان يلقب بها نبينا الكريم؛ كأحمد والمصطفى والمختار وغيرها؛ لكن قلبي يميل مع ما رآه السلف الصالح وأجمعوا عليه بأن إسم المهدي الكامل هو: محمد ابن عبد الله ..
أما مسألة السن؛ فمن خلال قرائتي للأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن المهدي لم أجد ما يحدد سنا معينا له، لكن هناك أثر رواه ابن حماد عن الصحابي الجليل أرطأة موقوفا، لكنه حسب علماء الحديث يخالف الأحاديث المتواترة عن المهدي التي تقول أنه يملك 7 سنين، فهو يقول بأن بقاء المهدي هو 40 سنة؛ والحديث هو: عن أرطأة قال:"بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاما ثم يموت..."رقم الأثر في كتاب الفتن هو : 1194، والمتأمل في الأثر سيكتشف أن الراوي قال يعيش وليس يحكم أو يملك، وبالتالي نستنبط أن السن الذي يبعث فيه المهدي هو أربعون نطرح منها تسعا أو ثمانا أو سبعا، أي إما سيكون سنه 31 سنة أو 32 سنة أو 33 سنة عند خروجه...وما يؤيد قولي هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبشركم بالمهدي " فذكر الحديث، وفي آخره " فيمكث سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين ".. أيضا ما يؤكد مقالتي، هو أنك تشعر من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم:"المهدي من عترتي.." "من ولدي.." " من ولد فاطمة.." أنه سيكون شابا موفقا وليس كهلا ولا شيخا طاعنا في سن؛ وهذا مجرد إحتمال.. أما مكان خروجه فلم أستطع تحديده بالضبط لغياب أحاديث تشير إلى مكان إزدياده حفاظا عليه وعلى المحل الذي سيزداد فيه من المتربصين والأعداء.
النقطة الثانية: ما الفرق بين الإصلاح والخروج والظهور والملك؟ في كثير من الأحاديث التي تتحدث عن المهدي أن هناك إختلافا في تحديد مدة مكث المهدي بين سبع أو ثمان أو تسع؛ في حين أغلب الأحاديث التي تتحدث عن مدة ملكه تتفق على أن مدة خلافته 7 سنين، فما السر إذن؟ إن إستطعنا التفريق بين الإصلاح و الخروج والظهور وفترة الملك الخالصة سنجيب عن الإشكال؛ فالإصلاح لا يستغرق إلا ليلة واحدة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح:"المهدي منا آل البيت يصلحه الله في ليلة"، أما الخروج فمن المحتمل يقصد به المكان الذي ولد فيه وفترة التمهيد، في حين يكون الظهور في مكة بين الركن والمقام عندما يبايعه علماء الأمة والمسلمين على الخلافة، وهي المرحلة التي تليها فترة الملك الخالص وهي 7 سنين بإجماع العلماء، وبالتالي فمرحلة التمهيد للملك هي سنة أو سنتين قبل السبع التامة..ونكون قد أجبنا على هذا الإشكال الثاني.
المسألة الثالثة: هل المهدي هو قائد الملحمة الكبرى؟ وهل هو فاتح القسطنطينية الفتح الثاني؟ وهل المهدي سيعايش فتنة الدجال ويوافقه زمانه زمن نبي الله عيسى عليه السلام؟ الإجابة: لا أعتقد والله أعلم، وسنحتاج إلى أدلة تؤكد ما سأقوله، لهذا أحتاج منك أيها القارئ الكريم أن تركز معي جيدا؛ أولا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صَحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، ويعيش سبعا أو ثمانيا"...إذا فمن مميزات عصره: أن الله يسقيه الغيث على طول المدة التي يمكثها، فيكفيه أن يسأل ربه فيعطيه، وتمسي الأمة عظيمة وذات هيبة بين الأمم، وتكثر الماشية طيلة فترة حكمه...في حين كما هو معلوم فهناك حديث صحيح رواه مسلم وكذا الحاكم وابن ماجة يتحدث فيه نبينا صلى الله عليه وسلم على :"إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله سبحانه و تعالى السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها و الأرض أن تحبس ثلث نباتها و يأمر الله سبحانه وتعالى السماء في السنة الثانية أن تحبس ثلثي مطرها و الأرض أن تحبس ثلثي نباتها و يأمر الله سبحانه و تعالى السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر على الأرض قطرة و الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء حتى لا يبقى ذات ظل من الأنعام و الدواب إلا هلكت إلا ما شاء الله رب العالمين"..وبالتالي فهذا الحديث يدحض أي مقولة تدعي أن المهدي يعيش في هذه الثلاث سنوات، أو أنه من الممكن أن يعاصر الدجال، فالمعروف أن دولة الخلافة في عهد المهدي تكون دولة الرخاء وحسن عيش ونعمة دائمة طيلة فترة مكثه حتى يتمنى الأحياء لو أن الأموات أحياء لما يعاينونه من بركات وخيرات، فضلا على أن المشهور أن المهدي يكون مجاب الدعوة، ويجيب الله تعالى دعائه بحين سؤاله، لا يرد له دعوة..
أيضا من المعروف أنه لا خير في الحياة بعد المهدي كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد-رقم الحديث 10898-لكن كما هو معلوم ومشهور أن الذي بعد المهدي هو عيسى عليه السلام، وهذا تعارض؛ لأن عهد عيسى عليه السلام قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: " طوبى لعيش بعد المسيح ، طوبى لعيش بعد المسيح ، يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات ، فلو بذرت حبك على الصفا الصخر لنبت" حديث صحيح..وبالتالي كيف يكون لا خير في العيش بعد المهدي والحديث الآخر يقول طوبى للعيش بعد المسيح؟ حتما أن الخير سيكون في عهد المهدي مطلقا لا تشوبه فترة أزمة أو نكسة أو جفاف أو فتنة؛ فكيف وهو سيجيء لتهدأ الفتن على يديه؟!
إذا فما هو التسلسل الصحيح للأحداث؟، إن السر يكمن في الأثر الذي روي عن أرطأة من ابن حماد الذي يقول فيه:"بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاما ثم يموت.ثم يخرج قحطاني علي سيرة المهدي، بقاؤه عشرون سنة، ثم يقتل. ثم يخرج مهدي من ذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم مهدي حسن السيرة، يغزو مدينة قيصر، و هو آخر من امة محمد صلي الله عليه و آله و سلم.ثم يخرج الدجال، ثم ينزل عيسي في زمانه" الأثر موقوف، رقمه في كتاب الفتن هو : 1194...ولقد شرحنا الجزء الأول من الأثر سلفا لإستنباط السن الذي يبعث فيه المهدي، والحديث يشير إلى أن القحطاني يكون بعد المهدي ثم يأتي مهدي حسن السيرة يفتح الله على يديه القسطنطينية، وعليه فالمهدي المعرف و الموعود الذي بشرت به الأحاديث لن يعايش زمن الدجال ولا عيسى عليه السلام وليس بفاتح القسطنطينية ولا بقائد المسلمين في الملحمة الكبرى التي يكون فيها القتال بالسيوف، ويؤيد هذا الحديث حديث آخر يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث ضعيف لكن يواطئه الحديث السابق ويآزره، وعليه أنوار النبوة وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سيكون من بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الامراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ثم يؤمر القحطاني ، فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه" أي ما هو دون المهدي في عدله، بل يسير في الناس بسيرته، وهذا القحطاني هو المقصود في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري:"لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان ، يسوق الناس بعصاه" أي يخرج في زمن فتن فيحكم الناس بالعدل، وهو قائد المسلمين في الملحمة الكبرى...فإلى الآن نكاد نفك اللغز.
المسألة الرابعة:-فما هي وظيفة المهدي في دولة الخلافة، وهل هو مؤسسها؟ -وهل ستفنى التكنولوجيا قبل ظهور المهدي وخروجه أم سيعايش هذا التطور التقني؟ وهذا مربط الفرس في الموضوع، أيها الإخوة إن المهدي الموعود قد قرب زمانه وربما زمن خروجه هو زماننا والله أعلم كما تواطئت على ذلك الرؤى وتواترت، وهناك أدلة على ذلك.
الدليل الأول: روى إبن حماد في كتابه الفتن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه :"يعوذ بمكة عائذ فيقتل ، ثم تمكث الناس برهة من دهرهم ،ثم يعوذ عائذ أخر فإن أدركته فلاتغزونه فإنه جيش الخسف".
وفي حديث رواه مسلم وبصيغة أخرى الإمام البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها و أرضاها أنها قالت:"عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله فقال العجب إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم"...وهذا الجيش يقصد رجلا عائذا بالبيت جاء عن ابن العاص كما روى ذلك ابن حماد أنه يقصد المهدي المحصن في مكة قبل ظهوره لسبب يعلمه الله...فما قصة العائذ الأول؟
العائذ الأول على ما إعتقد هو محمد ابن عبد الله القحطاني زوج أخت جهيمان العتيبي الذي لجأ إلى بيت الله في مكة برفقة عشرات من المبايعين له، المدعين وهما وزورا-بسبب التأويل الخاطئ للرؤى- أن القحطاني هو المهدي، وقصتهم كانت في 1400/1979 ، ولقد قصف الأمن السعودي فيها بيت الله بالطائرات الحربية وتوقف الطواف مدة من الزمن بسبب هذه الفتنة.. أما العائذ الثاني والذي لن يقتل كما يؤكد الحديث وسيظهر بعد برهة من الزمن من هذه الواقعة، ويكون الجيش الذي يقصده هو جيش الخسف، فكم تساوي البرهة من الزمن؟ فكما هو معلوم فالبضع: ما بين السنتين والتسع سنوات، أما العقد : 10 سنوات، أما الجيل : 50 سنة. أما البرهة من القرن أو الدهر فأعتقد تساوي: ثلث القرن أي ما يقارب 33 و34 سنة. وإذا أضفنا 33 سنة على 1980 فهي تساوي 2013 أو 2014 ميلادية أو 1435 أو1436 هجرية وهو ما تواطئت عليه الرؤى .
أما مسألة هل سيحكم المهدي بوجود التكنولوجيا الحالية، فالجواب: أعتقد أن ظهوره سيكون في زمن تقنية عالية، بل ربما هو زماننا، والدليل هو أنه سيملأ الأرض عدلا وقسطا في سبع سنين، وقد يتعذر ذلك لو حدث خلل في التكنولوجيا الحالية ووسائل الإتصال، فلك أن تتخيل ماذا سيحدث لو فنيت الكهرباء والتكنولوجيا؟ سترجع البشرية عهد العصي والسيوف والبدائية، وبالتالي فإنه قد يتعذر نشر العدل والرخاء والأمن والسلام في مجموع الأرض في سبع سنين؛ أيها الإخوة أظن أن زمانه هو زمن الأوج في الإزدهار والتقدم العلمي؛ حتى يصل الإسلام للعالمين في السنة الأولى من حكمه... بل من الوسائل المفيذة في نشر الإسلام في عهده حتى يدخل الإسلام أي بيت في العالم، سواء بيت مدر أو حضر، هي التلفاز والأنترنت وغيرها من وسائل الإتصال، لكن بطريقة شرعية ومقننة؛ بل المفاجأة أن سر بعتثه هو تحقيق الدولة الكونية الموحدة من خلال شريعة الله على منهاج النبوة، من دون عرقية أو قومية أو فكر مختلف، أو تفرقة أو حزبية أو حركية أو مذهبية أو شقاقية عنصرية ، أو جماعاتية أو ذات راية عمية ؛ إنها دولة نموذجية من حيث السياسة والعدل الإجتماعي والسلم العالمي، يكون فيها المسلمين متساوون أمام شرع الله وغيرها...والله أعلم.
ملحوظة: أرجو إلتماس العذر لأخيكم إن أخطأت المقصود؛ فالمراد مما سبق هو التنبيه والمناقشة.
(يتبع الجزء الثاني إن شاء الله).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعل الكثير من رواد هذا المنتدى المبارك، وغيره من المنتديات المهتمة بأشراط الساعة والرؤى الصادقة المبشرة بظهور خليفة آخر الزمان المهدي، تتقاذفهم الكثير من الأسئلة حول ما هو آت؛ خصوصا الترتيب الكرنولوجي المستقبلي لأحداث آخر الزمان؛ ومن بينها من هو المهدي؟ وما إسمه؟ ومن أين يخرج؟ وما سنه؟ وهل اقترب زمان ظهوره؟ وهل هوقائد الملاحم أم فحسب مؤسس الخلافة؟ وهل سيعاصر أخطر فتنة منذ خلق الله عزوجل أدم ألا وهي فتنة الدجال أم لا؟ أيضا هل هو من سيصلي بعيسى نبي الله عليه السلام أم أمير آخر مهدي؟ لعل الكثيرين تراودهم هذه التساؤلات، وربما قد لا يقتنع البعض بما هو متداول من أراء فقهية إستنباطية حول المهدي رضي الله تعالى عنه، لأن ما صح بشأن المهدي جعل الأمر يبدو غامضا؛ وبالتالي فما هو متداول محظ إجتهادات لعلماءئنا؛ وبالتالي قد تصيب وقد تخطئ، ولله الكمال والتمام.
سأحاول أن أتبع الإستنباط العقلي للإجابة على بعض تلك الأسئلة؛ في إجتهاد قد أصيب فيه أو قد أخطئ؛ لكن للمناقشة فحسب...
النقطة الأولى: من هو المهدي؟ وما إسمه؟ ومن أين يخرج؟ وما سنه؟
فيما يخص مسألة الإسم والسن ومكان الخروج: فكما هو معروف ومتداول فإسم المهدي الموعود في آخر الزمان هو محمد ابن عبد الله، إنطلاقا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن إسم المهدي يواطئ إسم النبي صلى الله عليه وسلم، وإسم أبيه إسم أب النبي، وهذا ما أعتقده كذلك، على إعتبار أن فهم السلف للغة العربية كان بالطبيعة وصليقة، فهم أكثر وعيا بمعنى المواطأة التي لا زالت تثير في المنتديات شقاقا وإختلافا؛ حتى كثر المدعين للمهدوية؛ لكن هذا لا يعني أنه من الممكن أن يكون إسم المهدي إسما آخر يواطئ إسم النبي صلى الله عليه وسلم، وإسم أبيه إسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم؛ ؛ لأنه بالفعل نجد فعل يواطئ لا يعني بتاتا فعل يطابق، بل يعني يناصر أو يساعد أو يؤيد أو يوافق حسب المعاجم، (ومن ذلك نقول مثلا أن هذه الرؤيا تواطئ عدة رؤى في أن الحدث الفلاني سيحدث بقوة عما قريب، وهذا لا يعني أن أصحاب الرؤى شاهدوا نفس الرؤيا بتمام تطابقها وتفاصيلها، بل فقط توافقت رؤاهم في المعنى)....وعليه فإسم المهدي قد يكون إسما يوافق إسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من الكنى التي كان يلقب بها نبينا الكريم؛ كأحمد والمصطفى والمختار وغيرها؛ لكن قلبي يميل مع ما رآه السلف الصالح وأجمعوا عليه بأن إسم المهدي الكامل هو: محمد ابن عبد الله ..
أما مسألة السن؛ فمن خلال قرائتي للأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن المهدي لم أجد ما يحدد سنا معينا له، لكن هناك أثر رواه ابن حماد عن الصحابي الجليل أرطأة موقوفا، لكنه حسب علماء الحديث يخالف الأحاديث المتواترة عن المهدي التي تقول أنه يملك 7 سنين، فهو يقول بأن بقاء المهدي هو 40 سنة؛ والحديث هو: عن أرطأة قال:"بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاما ثم يموت..."رقم الأثر في كتاب الفتن هو : 1194، والمتأمل في الأثر سيكتشف أن الراوي قال يعيش وليس يحكم أو يملك، وبالتالي نستنبط أن السن الذي يبعث فيه المهدي هو أربعون نطرح منها تسعا أو ثمانا أو سبعا، أي إما سيكون سنه 31 سنة أو 32 سنة أو 33 سنة عند خروجه...وما يؤيد قولي هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبشركم بالمهدي " فذكر الحديث، وفي آخره " فيمكث سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين ".. أيضا ما يؤكد مقالتي، هو أنك تشعر من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم:"المهدي من عترتي.." "من ولدي.." " من ولد فاطمة.." أنه سيكون شابا موفقا وليس كهلا ولا شيخا طاعنا في سن؛ وهذا مجرد إحتمال.. أما مكان خروجه فلم أستطع تحديده بالضبط لغياب أحاديث تشير إلى مكان إزدياده حفاظا عليه وعلى المحل الذي سيزداد فيه من المتربصين والأعداء.
النقطة الثانية: ما الفرق بين الإصلاح والخروج والظهور والملك؟ في كثير من الأحاديث التي تتحدث عن المهدي أن هناك إختلافا في تحديد مدة مكث المهدي بين سبع أو ثمان أو تسع؛ في حين أغلب الأحاديث التي تتحدث عن مدة ملكه تتفق على أن مدة خلافته 7 سنين، فما السر إذن؟ إن إستطعنا التفريق بين الإصلاح و الخروج والظهور وفترة الملك الخالصة سنجيب عن الإشكال؛ فالإصلاح لا يستغرق إلا ليلة واحدة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح:"المهدي منا آل البيت يصلحه الله في ليلة"، أما الخروج فمن المحتمل يقصد به المكان الذي ولد فيه وفترة التمهيد، في حين يكون الظهور في مكة بين الركن والمقام عندما يبايعه علماء الأمة والمسلمين على الخلافة، وهي المرحلة التي تليها فترة الملك الخالص وهي 7 سنين بإجماع العلماء، وبالتالي فمرحلة التمهيد للملك هي سنة أو سنتين قبل السبع التامة..ونكون قد أجبنا على هذا الإشكال الثاني.
المسألة الثالثة: هل المهدي هو قائد الملحمة الكبرى؟ وهل هو فاتح القسطنطينية الفتح الثاني؟ وهل المهدي سيعايش فتنة الدجال ويوافقه زمانه زمن نبي الله عيسى عليه السلام؟ الإجابة: لا أعتقد والله أعلم، وسنحتاج إلى أدلة تؤكد ما سأقوله، لهذا أحتاج منك أيها القارئ الكريم أن تركز معي جيدا؛ أولا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صَحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، ويعيش سبعا أو ثمانيا"...إذا فمن مميزات عصره: أن الله يسقيه الغيث على طول المدة التي يمكثها، فيكفيه أن يسأل ربه فيعطيه، وتمسي الأمة عظيمة وذات هيبة بين الأمم، وتكثر الماشية طيلة فترة حكمه...في حين كما هو معلوم فهناك حديث صحيح رواه مسلم وكذا الحاكم وابن ماجة يتحدث فيه نبينا صلى الله عليه وسلم على :"إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله سبحانه و تعالى السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها و الأرض أن تحبس ثلث نباتها و يأمر الله سبحانه وتعالى السماء في السنة الثانية أن تحبس ثلثي مطرها و الأرض أن تحبس ثلثي نباتها و يأمر الله سبحانه و تعالى السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر على الأرض قطرة و الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء حتى لا يبقى ذات ظل من الأنعام و الدواب إلا هلكت إلا ما شاء الله رب العالمين"..وبالتالي فهذا الحديث يدحض أي مقولة تدعي أن المهدي يعيش في هذه الثلاث سنوات، أو أنه من الممكن أن يعاصر الدجال، فالمعروف أن دولة الخلافة في عهد المهدي تكون دولة الرخاء وحسن عيش ونعمة دائمة طيلة فترة مكثه حتى يتمنى الأحياء لو أن الأموات أحياء لما يعاينونه من بركات وخيرات، فضلا على أن المشهور أن المهدي يكون مجاب الدعوة، ويجيب الله تعالى دعائه بحين سؤاله، لا يرد له دعوة..
أيضا من المعروف أنه لا خير في الحياة بعد المهدي كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد-رقم الحديث 10898-لكن كما هو معلوم ومشهور أن الذي بعد المهدي هو عيسى عليه السلام، وهذا تعارض؛ لأن عهد عيسى عليه السلام قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: " طوبى لعيش بعد المسيح ، طوبى لعيش بعد المسيح ، يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات ، فلو بذرت حبك على الصفا الصخر لنبت" حديث صحيح..وبالتالي كيف يكون لا خير في العيش بعد المهدي والحديث الآخر يقول طوبى للعيش بعد المسيح؟ حتما أن الخير سيكون في عهد المهدي مطلقا لا تشوبه فترة أزمة أو نكسة أو جفاف أو فتنة؛ فكيف وهو سيجيء لتهدأ الفتن على يديه؟!
إذا فما هو التسلسل الصحيح للأحداث؟، إن السر يكمن في الأثر الذي روي عن أرطأة من ابن حماد الذي يقول فيه:"بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاما ثم يموت.ثم يخرج قحطاني علي سيرة المهدي، بقاؤه عشرون سنة، ثم يقتل. ثم يخرج مهدي من ذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم مهدي حسن السيرة، يغزو مدينة قيصر، و هو آخر من امة محمد صلي الله عليه و آله و سلم.ثم يخرج الدجال، ثم ينزل عيسي في زمانه" الأثر موقوف، رقمه في كتاب الفتن هو : 1194...ولقد شرحنا الجزء الأول من الأثر سلفا لإستنباط السن الذي يبعث فيه المهدي، والحديث يشير إلى أن القحطاني يكون بعد المهدي ثم يأتي مهدي حسن السيرة يفتح الله على يديه القسطنطينية، وعليه فالمهدي المعرف و الموعود الذي بشرت به الأحاديث لن يعايش زمن الدجال ولا عيسى عليه السلام وليس بفاتح القسطنطينية ولا بقائد المسلمين في الملحمة الكبرى التي يكون فيها القتال بالسيوف، ويؤيد هذا الحديث حديث آخر يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث ضعيف لكن يواطئه الحديث السابق ويآزره، وعليه أنوار النبوة وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سيكون من بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الامراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ثم يؤمر القحطاني ، فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه" أي ما هو دون المهدي في عدله، بل يسير في الناس بسيرته، وهذا القحطاني هو المقصود في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري:"لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان ، يسوق الناس بعصاه" أي يخرج في زمن فتن فيحكم الناس بالعدل، وهو قائد المسلمين في الملحمة الكبرى...فإلى الآن نكاد نفك اللغز.
المسألة الرابعة:-فما هي وظيفة المهدي في دولة الخلافة، وهل هو مؤسسها؟ -وهل ستفنى التكنولوجيا قبل ظهور المهدي وخروجه أم سيعايش هذا التطور التقني؟ وهذا مربط الفرس في الموضوع، أيها الإخوة إن المهدي الموعود قد قرب زمانه وربما زمن خروجه هو زماننا والله أعلم كما تواطئت على ذلك الرؤى وتواترت، وهناك أدلة على ذلك.
الدليل الأول: روى إبن حماد في كتابه الفتن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه :"يعوذ بمكة عائذ فيقتل ، ثم تمكث الناس برهة من دهرهم ،ثم يعوذ عائذ أخر فإن أدركته فلاتغزونه فإنه جيش الخسف".
وفي حديث رواه مسلم وبصيغة أخرى الإمام البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها و أرضاها أنها قالت:"عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله فقال العجب إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم"...وهذا الجيش يقصد رجلا عائذا بالبيت جاء عن ابن العاص كما روى ذلك ابن حماد أنه يقصد المهدي المحصن في مكة قبل ظهوره لسبب يعلمه الله...فما قصة العائذ الأول؟
العائذ الأول على ما إعتقد هو محمد ابن عبد الله القحطاني زوج أخت جهيمان العتيبي الذي لجأ إلى بيت الله في مكة برفقة عشرات من المبايعين له، المدعين وهما وزورا-بسبب التأويل الخاطئ للرؤى- أن القحطاني هو المهدي، وقصتهم كانت في 1400/1979 ، ولقد قصف الأمن السعودي فيها بيت الله بالطائرات الحربية وتوقف الطواف مدة من الزمن بسبب هذه الفتنة.. أما العائذ الثاني والذي لن يقتل كما يؤكد الحديث وسيظهر بعد برهة من الزمن من هذه الواقعة، ويكون الجيش الذي يقصده هو جيش الخسف، فكم تساوي البرهة من الزمن؟ فكما هو معلوم فالبضع: ما بين السنتين والتسع سنوات، أما العقد : 10 سنوات، أما الجيل : 50 سنة. أما البرهة من القرن أو الدهر فأعتقد تساوي: ثلث القرن أي ما يقارب 33 و34 سنة. وإذا أضفنا 33 سنة على 1980 فهي تساوي 2013 أو 2014 ميلادية أو 1435 أو1436 هجرية وهو ما تواطئت عليه الرؤى .
أما مسألة هل سيحكم المهدي بوجود التكنولوجيا الحالية، فالجواب: أعتقد أن ظهوره سيكون في زمن تقنية عالية، بل ربما هو زماننا، والدليل هو أنه سيملأ الأرض عدلا وقسطا في سبع سنين، وقد يتعذر ذلك لو حدث خلل في التكنولوجيا الحالية ووسائل الإتصال، فلك أن تتخيل ماذا سيحدث لو فنيت الكهرباء والتكنولوجيا؟ سترجع البشرية عهد العصي والسيوف والبدائية، وبالتالي فإنه قد يتعذر نشر العدل والرخاء والأمن والسلام في مجموع الأرض في سبع سنين؛ أيها الإخوة أظن أن زمانه هو زمن الأوج في الإزدهار والتقدم العلمي؛ حتى يصل الإسلام للعالمين في السنة الأولى من حكمه... بل من الوسائل المفيذة في نشر الإسلام في عهده حتى يدخل الإسلام أي بيت في العالم، سواء بيت مدر أو حضر، هي التلفاز والأنترنت وغيرها من وسائل الإتصال، لكن بطريقة شرعية ومقننة؛ بل المفاجأة أن سر بعتثه هو تحقيق الدولة الكونية الموحدة من خلال شريعة الله على منهاج النبوة، من دون عرقية أو قومية أو فكر مختلف، أو تفرقة أو حزبية أو حركية أو مذهبية أو شقاقية عنصرية ، أو جماعاتية أو ذات راية عمية ؛ إنها دولة نموذجية من حيث السياسة والعدل الإجتماعي والسلم العالمي، يكون فيها المسلمين متساوون أمام شرع الله وغيرها...والله أعلم.
ملحوظة: أرجو إلتماس العذر لأخيكم إن أخطأت المقصود؛ فالمراد مما سبق هو التنبيه والمناقشة.
(يتبع الجزء الثاني إن شاء الله).
التعديل الأخير بواسطة المشرف: